❞ كتاب معرکة الإسلام في إندونيسيا في مواجهة هجمات التبشير النصراني ❝  ⏤ د. توفيق محمد علوان

❞ كتاب معرکة الإسلام في إندونيسيا في مواجهة هجمات التبشير النصراني ❝ ⏤ د. توفيق محمد علوان

التنصير هو تحويل مجتمعات إلى المسيحية، وهو ظاهرة بدأت في أواخر العصور القديمة في الإمبراطورية الرومانية واستمرت إلى أواخر العصور الوسطى في أوروبا. خارج أوروبا، توقّفت العملية توقفًا كبيرًا بسبب عملية الأسلمة الموازية، التي بدأت في شبه الجزيرة العربية والشرق الأدنى.

استُعملت خطط وتقنيات متنوعة في مختلف الأقاليم والعصور. عادةً يتبع تنصير الحاكم تعميدٌ إكراهي لكل محكوميه، ويؤدي هذا عادة إلى تهميش الأديان السابقة. شملت بعض هذه العمليات تبشير الرهبان والكهنة، أو النمو الطبيعي لمجتمعات مسيحية جزئيًّا، أو الحملات على الوثنية، وتحويل المعابد الوثنية إلى كنائس مسيحية، أو شجب الشعائر والآلهة الوثنية، ومن ذلك التصريح بأن الآلهة الوثنية لم تكن إلا شياطين، من دون علم عبادها. امتدّ تاريخ ربط المسيحية والاستعمارية امتدادًا طويلًا، وشمل تطهيرًا عرقيًّا لأمم كاملة، لا سيما في العالم الجديد والأقاليم الخاضعة للاستعمار الاستيطاني، ولكن الأمر لم يقتصر عليها. من أساليب التنصير التأويل المسيحي - وهو تحويل الشعائر والثقافة الوثنية الأصلية، والصور الدينية الوثنية، والمعابد والتقاويم الوثنية، إلى استخدامات مسيحية.

إنتربريتاتيو كريستيانا (التأويل المسيحي)
كان تحويل الأديان والأنشطة الثقافية والمعتقدات المحلية إلى صورة مسيحية أمرًا مقبولًا رسميًّا، ذُكر ذلك في كتاب التاريخ الكنسي للشعب الإنكليزي للمكرَّم بيدا، وهو رسالة من الأب غريغوري الأول إلى مليتوس يقول فيها إن التنصير أسهل إذا أُتيح للشعوب أن تحافظ على الأشكال الظاهرية لتقاليدهم، على أن تقول إن تقاليدها كانت تمجيدًا للإله المسيحي، «والهدف أن يُعطَوا بعض الإرضاءات الظاهرية، ليكون قبولهم لطمأنينة نعمة الله الداخلية أسهل». كان المقصود جوهريًّا بالتأويل المسيحي: الحفاظ على التقاليد والشعائر، مع تغيير السبب من ورائها. إن وجود التوفيق بين المعتقدات في التراث المسيحي ملحوظٌ منذ زمن طويل عند الباحثين. منذ القرن السادس عشر إلى العصر الحديث، كُرّست دراسات كثيرة لتفكيك التأويل المسيحي، أي تتبّع جذور الشعائر والتقاليد المسيحية العائدة إلى الوثنية. قُلّل من شأن الدراسات المبكرة في هذا المجال ورُفض بعضها على أنه دفاع بروتستانتي بقصد «تطهير» المسيحية.

المسيحية المبكرة (قبل نيقية)
حكم مجلس أورشليم (نحو 50 للميلاد) حسب سفر أعمال الرسل 15، أن عدم الختان لا يمكن أن يكون حجّة لإقصاء المؤمنين من غير اليهود من مجتمع يسوع. بل أمر المجمع المؤمنين أن يجتنبوا «نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم»، وأن يسمعوا قراءة موسى في أيام السبت. كُتبت هذه التوضيحات ووزّعها الرسل الذين حضروا المجمع، وقُبلت بوصفها تشجيعًا لإنماء ثقة الوثنيين السابقين بإله إسرائيل كما تجلّى في الإنجيل. ومن ثم ساعد المرسوم الرسولي بتأسيس مسيحية وليدة لتكون بديلًا فريدًا عن أشكال اليهودية بالنسبة للمرتدين المحتملين. بدأ الرسل الاثنا عشر مع الآباء الرسوليين عملية تحويل الفرقة يهودية الأصل إلى ملجأ للمجتمعات فيه يهود وغير يهود، تجمعهم وتوحّدهم الثقة بيسوع.

كانت الكنائس الأرمينية والجورجية والإثيوبية هي الأمثلة الوحيدة على فرض الحكّام للمسيحية على محكوميهم قبل مجمع نيقية. بدأ تنصّر الإمبراطورية الرومانية بالمناطق الحضرية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب أوروبا، حيث كانت التنصّرات الأولى أحيانًا بين أعضاء في الجماعات اليهودية. عمّ التنصّر بعد ذلك في الأمم الأخرى مع القرون، وسبقت إليه المناطق الحضرية عادةً، لتلحقها المناطق الريفية بعد مدة من الزمان. إن كلمة «pagan» وتعني وثنيّ، لاتينية ومعناها في الأصل «فلّاح، ريفي، مدني (غير عسكري)». وهي مشتقة من هذا التحول التاريخي. أصل هذه الكلمة محفوظ في كلمة «paisan».

أواخر العصور القديمة (القرنان الرابع والخامس)
يقسَّم تنصير الإمبراطورية الرومانية إلى فترتين: قبل عام 312 وبعده، إذ حدث في هذا العام تنصّر قسطنطين (وقد تجودل في صدق تنصّره من عدمه قرونًا طويلة). في هذا الوقت، كانت المسيحية عمّت قسمًا كبيرًا ولكن غير معروف من الناس، على الأقل في التجمعات الحضرية في الإمبراطورية، وشملت عددًا من النخَب. أنهى قسطنطين الاضطهاد المتقطع للمسيحية بمرسوم ميلان، وهو في الحقيقة اقتباس من رسالة للإمبراطوري ليسينيوس كتبها يوسيبوس، ومنحت التسامح لكل الأديان، ولكن خصّت المسيحية بالذكر. تحت حكم خلفاء قسطنطين، استمرّ تنصير المجتمع الروماني على نحو متقطع، وهو ما وثقه جون كيوران بالتفصيل.

حظر أبناء قسطنطين القرابين الدينية للوثنيين عام 341، ولكنهم لم يغلقوا المعابد. ومع أن كل المعابد الحكومية في كل المُدن أُمر بإغلاقها عام 356، فلدينا أدلة تدل على استمرار القرابين التقليدية. تحت حكم جوليان، فُتحت المعابد من جديد واستؤنفت القرابين. عندما رفض غراتيان الإمبراطور 376–383 لقب ومنصب بونتيفكس ماكسيمس، أنهى فعله هذا دين الدولة بسبب سلطة هذا المنصب وعلاقاته بالإدارة الإمبراطورية. ولكن مرّة أخرى، أنهت هذه العملية الممارسات الحكومية ولكن لم تنه العبادة الدينية الخاصة. مع انتشار المسيحية، دُنّس ونُهب ودُمّر كثير من المعابد، وحُوّل بعضها إلى مواقع مسيحية على يد شخصيات مثل مارتن التوروزي، وفي الشرق على يد الرهبان المحاربين. ولكن كثيرًا من المعابد ظلّت مفتوحة حتى مرسوم ثيودوسيوس الأول المسمى ثيسالونيكا عام 381، الذي منع فيه منصب هاروسبكس وممارسات دينية وثنية أخرى. من عام 389 إلى 393، أصدر ثيودوسيوس سلسلة من المراسيم أدّت إلى حظر الشعائر الدينية الوثنية، وسلب أملاك الوثنيين ومنحهم. حُظرت الألعاب الأولمبية عام 392 بسبب ارتباطها بالدين القديم. شُرعت قوانين أخرى ضد الشعائر الوثنية الباقية على مرّ السنين التالية. لا نعرف مدى فعالية هذه القوانين في أرجاء الإمبراطورية. وُثّق تنصر البلقان المركزيين في نهاية القرن الرابع، عندما جاء نيسيتاس أسقف رمسيانا بالإنجيل إلى «ذئاب الجبال» هؤلاء، وهم البيسي. ذُكر أن مهمته نجحت، وأن المسيحية حلّت محل عبادة ديونيسس والآلهة التراقية الأخرى.

كانت معركة فريجيدس عام 395 نقطة تحول، إذ أنهت آخر محاولة جادّة لإحياء الدين الوثني في الإمبراطورية الرومانية المنصّرة وقتها. بعد هزيمة يوجنس، استسلمت الأسر الوثنية المحافظة في روما للمسيحية وبدأت تعيد صناعة نفسها لتحافظ على قيادتها في المجتمع. في ذلك الوقت كانت الكنيسة المسيحية قد اتخذت التعليم والثقافة الكلاسيكية دليلًا على حضارة الإنسان، وجمعت بذلك المجموعتين الاجتماعيتين في حلف. تحت حكم ستيليكو (395–408) تُسُومح مع بعض الوثنية، ولكن بعد ذلك في القرن الخامس، أصبحت التشريعات ضد الأملاك الوثنية والشعائر الوثنية الأخرى صارمةً. يبدو أنه جرت بعد ذلك محاولات لإحياء الوثنية، في عام 456 في دوائر محيطة بالقائد مارسيلينس وتحت حكم أنثميوس (467–472)، ولكن هذه المحاولات لم تجد توفيقًا. في عام 451 حكم ماركيان بالإعدام لكل من يمارس طقسًا وثنيًّا، وأكّد ليو الأول عام 472 هذا الحكم بمعاقبة كل من أدرك وجود شعائر وثنية في ملكه.


يتناول هذا المقال الأسباب الجغرافية المتعلقة بالتنصير في إندونيسيا، من كثرة الجزر، والقرب من الدول النصرانية.

كما يتناول الأسباب التاريخية، وكذلك السياسية التي أسهمت في تقديم مساعدات للهندوس والنصارى الإندونيسيين، وبناء لمعابدهم ودعم لمطبوعاتهم؛ مما يدل على تنامي نفوذهم في هذا البلد.
د. توفيق محمد علوان - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ معركة الإسلام في إندونيسيا في مواجهة هجمات التبشير النصراني ❝ ❞ تيمور الشرقية ذئاب الصليبية تفترس الغنمة القاصية* ❝ ❞ معرکة الإسلام في إندونيسيا في مواجهة هجمات التبشير النصراني ❝ ❞ المواجهة الفاصلة بين الإسلام و النصرانية في إندونيسيا ❝ ❞ تيمور الشرقية (ذئاب الصليبية تفترس الغنمة القاصية) ❝ ❞ تيمور الشرقية ذئاب الصليبية تفترس الغنمة القاصية ❝ الناشرين : ❞ مجلة البيان ❝ ❱
من التنصير كتب الردود والمناظرات - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
معرکة الإسلام في إندونيسيا في مواجهة هجمات التبشير النصراني

1997م - 1445هـ
التنصير هو تحويل مجتمعات إلى المسيحية، وهو ظاهرة بدأت في أواخر العصور القديمة في الإمبراطورية الرومانية واستمرت إلى أواخر العصور الوسطى في أوروبا. خارج أوروبا، توقّفت العملية توقفًا كبيرًا بسبب عملية الأسلمة الموازية، التي بدأت في شبه الجزيرة العربية والشرق الأدنى.

استُعملت خطط وتقنيات متنوعة في مختلف الأقاليم والعصور. عادةً يتبع تنصير الحاكم تعميدٌ إكراهي لكل محكوميه، ويؤدي هذا عادة إلى تهميش الأديان السابقة. شملت بعض هذه العمليات تبشير الرهبان والكهنة، أو النمو الطبيعي لمجتمعات مسيحية جزئيًّا، أو الحملات على الوثنية، وتحويل المعابد الوثنية إلى كنائس مسيحية، أو شجب الشعائر والآلهة الوثنية، ومن ذلك التصريح بأن الآلهة الوثنية لم تكن إلا شياطين، من دون علم عبادها. امتدّ تاريخ ربط المسيحية والاستعمارية امتدادًا طويلًا، وشمل تطهيرًا عرقيًّا لأمم كاملة، لا سيما في العالم الجديد والأقاليم الخاضعة للاستعمار الاستيطاني، ولكن الأمر لم يقتصر عليها. من أساليب التنصير التأويل المسيحي - وهو تحويل الشعائر والثقافة الوثنية الأصلية، والصور الدينية الوثنية، والمعابد والتقاويم الوثنية، إلى استخدامات مسيحية.

إنتربريتاتيو كريستيانا (التأويل المسيحي)
كان تحويل الأديان والأنشطة الثقافية والمعتقدات المحلية إلى صورة مسيحية أمرًا مقبولًا رسميًّا، ذُكر ذلك في كتاب التاريخ الكنسي للشعب الإنكليزي للمكرَّم بيدا، وهو رسالة من الأب غريغوري الأول إلى مليتوس يقول فيها إن التنصير أسهل إذا أُتيح للشعوب أن تحافظ على الأشكال الظاهرية لتقاليدهم، على أن تقول إن تقاليدها كانت تمجيدًا للإله المسيحي، «والهدف أن يُعطَوا بعض الإرضاءات الظاهرية، ليكون قبولهم لطمأنينة نعمة الله الداخلية أسهل». كان المقصود جوهريًّا بالتأويل المسيحي: الحفاظ على التقاليد والشعائر، مع تغيير السبب من ورائها. إن وجود التوفيق بين المعتقدات في التراث المسيحي ملحوظٌ منذ زمن طويل عند الباحثين. منذ القرن السادس عشر إلى العصر الحديث، كُرّست دراسات كثيرة لتفكيك التأويل المسيحي، أي تتبّع جذور الشعائر والتقاليد المسيحية العائدة إلى الوثنية. قُلّل من شأن الدراسات المبكرة في هذا المجال ورُفض بعضها على أنه دفاع بروتستانتي بقصد «تطهير» المسيحية.

المسيحية المبكرة (قبل نيقية)
حكم مجلس أورشليم (نحو 50 للميلاد) حسب سفر أعمال الرسل 15، أن عدم الختان لا يمكن أن يكون حجّة لإقصاء المؤمنين من غير اليهود من مجتمع يسوع. بل أمر المجمع المؤمنين أن يجتنبوا «نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم»، وأن يسمعوا قراءة موسى في أيام السبت. كُتبت هذه التوضيحات ووزّعها الرسل الذين حضروا المجمع، وقُبلت بوصفها تشجيعًا لإنماء ثقة الوثنيين السابقين بإله إسرائيل كما تجلّى في الإنجيل. ومن ثم ساعد المرسوم الرسولي بتأسيس مسيحية وليدة لتكون بديلًا فريدًا عن أشكال اليهودية بالنسبة للمرتدين المحتملين. بدأ الرسل الاثنا عشر مع الآباء الرسوليين عملية تحويل الفرقة يهودية الأصل إلى ملجأ للمجتمعات فيه يهود وغير يهود، تجمعهم وتوحّدهم الثقة بيسوع.

كانت الكنائس الأرمينية والجورجية والإثيوبية هي الأمثلة الوحيدة على فرض الحكّام للمسيحية على محكوميهم قبل مجمع نيقية. بدأ تنصّر الإمبراطورية الرومانية بالمناطق الحضرية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب أوروبا، حيث كانت التنصّرات الأولى أحيانًا بين أعضاء في الجماعات اليهودية. عمّ التنصّر بعد ذلك في الأمم الأخرى مع القرون، وسبقت إليه المناطق الحضرية عادةً، لتلحقها المناطق الريفية بعد مدة من الزمان. إن كلمة «pagan» وتعني وثنيّ، لاتينية ومعناها في الأصل «فلّاح، ريفي، مدني (غير عسكري)». وهي مشتقة من هذا التحول التاريخي. أصل هذه الكلمة محفوظ في كلمة «paisan».

أواخر العصور القديمة (القرنان الرابع والخامس)
يقسَّم تنصير الإمبراطورية الرومانية إلى فترتين: قبل عام 312 وبعده، إذ حدث في هذا العام تنصّر قسطنطين (وقد تجودل في صدق تنصّره من عدمه قرونًا طويلة). في هذا الوقت، كانت المسيحية عمّت قسمًا كبيرًا ولكن غير معروف من الناس، على الأقل في التجمعات الحضرية في الإمبراطورية، وشملت عددًا من النخَب. أنهى قسطنطين الاضطهاد المتقطع للمسيحية بمرسوم ميلان، وهو في الحقيقة اقتباس من رسالة للإمبراطوري ليسينيوس كتبها يوسيبوس، ومنحت التسامح لكل الأديان، ولكن خصّت المسيحية بالذكر. تحت حكم خلفاء قسطنطين، استمرّ تنصير المجتمع الروماني على نحو متقطع، وهو ما وثقه جون كيوران بالتفصيل.

حظر أبناء قسطنطين القرابين الدينية للوثنيين عام 341، ولكنهم لم يغلقوا المعابد. ومع أن كل المعابد الحكومية في كل المُدن أُمر بإغلاقها عام 356، فلدينا أدلة تدل على استمرار القرابين التقليدية. تحت حكم جوليان، فُتحت المعابد من جديد واستؤنفت القرابين. عندما رفض غراتيان الإمبراطور 376–383 لقب ومنصب بونتيفكس ماكسيمس، أنهى فعله هذا دين الدولة بسبب سلطة هذا المنصب وعلاقاته بالإدارة الإمبراطورية. ولكن مرّة أخرى، أنهت هذه العملية الممارسات الحكومية ولكن لم تنه العبادة الدينية الخاصة. مع انتشار المسيحية، دُنّس ونُهب ودُمّر كثير من المعابد، وحُوّل بعضها إلى مواقع مسيحية على يد شخصيات مثل مارتن التوروزي، وفي الشرق على يد الرهبان المحاربين. ولكن كثيرًا من المعابد ظلّت مفتوحة حتى مرسوم ثيودوسيوس الأول المسمى ثيسالونيكا عام 381، الذي منع فيه منصب هاروسبكس وممارسات دينية وثنية أخرى. من عام 389 إلى 393، أصدر ثيودوسيوس سلسلة من المراسيم أدّت إلى حظر الشعائر الدينية الوثنية، وسلب أملاك الوثنيين ومنحهم. حُظرت الألعاب الأولمبية عام 392 بسبب ارتباطها بالدين القديم. شُرعت قوانين أخرى ضد الشعائر الوثنية الباقية على مرّ السنين التالية. لا نعرف مدى فعالية هذه القوانين في أرجاء الإمبراطورية. وُثّق تنصر البلقان المركزيين في نهاية القرن الرابع، عندما جاء نيسيتاس أسقف رمسيانا بالإنجيل إلى «ذئاب الجبال» هؤلاء، وهم البيسي. ذُكر أن مهمته نجحت، وأن المسيحية حلّت محل عبادة ديونيسس والآلهة التراقية الأخرى.

كانت معركة فريجيدس عام 395 نقطة تحول، إذ أنهت آخر محاولة جادّة لإحياء الدين الوثني في الإمبراطورية الرومانية المنصّرة وقتها. بعد هزيمة يوجنس، استسلمت الأسر الوثنية المحافظة في روما للمسيحية وبدأت تعيد صناعة نفسها لتحافظ على قيادتها في المجتمع. في ذلك الوقت كانت الكنيسة المسيحية قد اتخذت التعليم والثقافة الكلاسيكية دليلًا على حضارة الإنسان، وجمعت بذلك المجموعتين الاجتماعيتين في حلف. تحت حكم ستيليكو (395–408) تُسُومح مع بعض الوثنية، ولكن بعد ذلك في القرن الخامس، أصبحت التشريعات ضد الأملاك الوثنية والشعائر الوثنية الأخرى صارمةً. يبدو أنه جرت بعد ذلك محاولات لإحياء الوثنية، في عام 456 في دوائر محيطة بالقائد مارسيلينس وتحت حكم أنثميوس (467–472)، ولكن هذه المحاولات لم تجد توفيقًا. في عام 451 حكم ماركيان بالإعدام لكل من يمارس طقسًا وثنيًّا، وأكّد ليو الأول عام 472 هذا الحكم بمعاقبة كل من أدرك وجود شعائر وثنية في ملكه.


يتناول هذا المقال الأسباب الجغرافية المتعلقة بالتنصير في إندونيسيا، من كثرة الجزر، والقرب من الدول النصرانية.

كما يتناول الأسباب التاريخية، وكذلك السياسية التي أسهمت في تقديم مساعدات للهندوس والنصارى الإندونيسيين، وبناء لمعابدهم ودعم لمطبوعاتهم؛ مما يدل على تنامي نفوذهم في هذا البلد. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

معركة الإسلام في إندونيسيا في مواجهة هجمات التبشير النصراني

التنصير هو تحويل مجتمعات إلى المسيحية، وهو ظاهرة بدأت في أواخر العصور القديمة في الإمبراطورية الرومانية واستمرت إلى أواخر العصور الوسطى في أوروبا. خارج أوروبا، توقّفت العملية توقفًا كبيرًا بسبب عملية الأسلمة الموازية، التي بدأت في شبه الجزيرة العربية والشرق الأدنى.

استُعملت خطط وتقنيات متنوعة في مختلف الأقاليم والعصور. عادةً يتبع تنصير الحاكم تعميدٌ إكراهي لكل محكوميه، ويؤدي هذا عادة إلى تهميش الأديان السابقة. شملت بعض هذه العمليات تبشير الرهبان والكهنة، أو النمو الطبيعي لمجتمعات مسيحية جزئيًّا، أو الحملات على الوثنية، وتحويل المعابد الوثنية إلى كنائس مسيحية، أو شجب الشعائر والآلهة الوثنية، ومن ذلك التصريح بأن الآلهة الوثنية لم تكن إلا شياطين، من دون علم عبادها. امتدّ تاريخ ربط المسيحية والاستعمارية امتدادًا طويلًا، وشمل تطهيرًا عرقيًّا لأمم كاملة، لا سيما في العالم الجديد والأقاليم الخاضعة للاستعمار الاستيطاني، ولكن الأمر لم يقتصر عليها. من أساليب التنصير التأويل المسيحي - وهو تحويل الشعائر والثقافة الوثنية الأصلية، والصور الدينية الوثنية، والمعابد والتقاويم الوثنية، إلى استخدامات مسيحية. 

إنتربريتاتيو كريستيانا (التأويل المسيحي)
كان تحويل الأديان والأنشطة الثقافية والمعتقدات المحلية إلى صورة مسيحية أمرًا مقبولًا رسميًّا، ذُكر ذلك في كتاب التاريخ الكنسي للشعب الإنكليزي للمكرَّم بيدا، وهو رسالة من الأب غريغوري الأول إلى مليتوس يقول فيها إن التنصير أسهل إذا أُتيح للشعوب أن تحافظ على الأشكال الظاهرية لتقاليدهم، على أن تقول إن تقاليدها كانت تمجيدًا للإله المسيحي، «والهدف أن يُعطَوا بعض الإرضاءات الظاهرية، ليكون قبولهم لطمأنينة نعمة الله الداخلية أسهل». كان المقصود جوهريًّا بالتأويل المسيحي: الحفاظ على التقاليد والشعائر، مع تغيير السبب من ورائها. إن وجود التوفيق بين المعتقدات في التراث المسيحي ملحوظٌ منذ زمن طويل عند الباحثين. منذ القرن السادس عشر إلى العصر الحديث، كُرّست دراسات كثيرة لتفكيك التأويل المسيحي، أي تتبّع جذور الشعائر والتقاليد المسيحية العائدة إلى الوثنية. قُلّل من شأن الدراسات المبكرة في هذا المجال ورُفض بعضها على أنه دفاع بروتستانتي بقصد «تطهير» المسيحية.

المسيحية المبكرة (قبل نيقية)
حكم مجلس أورشليم (نحو 50 للميلاد) حسب سفر أعمال الرسل 15، أن عدم الختان لا يمكن أن يكون حجّة لإقصاء المؤمنين من غير اليهود من مجتمع يسوع. بل أمر المجمع المؤمنين أن يجتنبوا «نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم»، وأن يسمعوا قراءة موسى في أيام السبت. كُتبت هذه التوضيحات ووزّعها الرسل الذين حضروا المجمع، وقُبلت بوصفها تشجيعًا لإنماء ثقة الوثنيين السابقين بإله إسرائيل كما تجلّى في الإنجيل. ومن ثم ساعد المرسوم الرسولي بتأسيس مسيحية وليدة لتكون بديلًا فريدًا عن أشكال اليهودية بالنسبة للمرتدين المحتملين. بدأ الرسل الاثنا عشر مع الآباء الرسوليين عملية تحويل الفرقة يهودية الأصل إلى ملجأ للمجتمعات فيه يهود وغير يهود، تجمعهم وتوحّدهم الثقة بيسوع.

كانت الكنائس الأرمينية والجورجية والإثيوبية هي الأمثلة الوحيدة على فرض الحكّام للمسيحية على محكوميهم قبل مجمع نيقية. بدأ تنصّر الإمبراطورية الرومانية بالمناطق الحضرية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب أوروبا، حيث كانت التنصّرات الأولى أحيانًا بين أعضاء في الجماعات اليهودية. عمّ التنصّر بعد ذلك في الأمم الأخرى مع القرون، وسبقت إليه المناطق الحضرية عادةً، لتلحقها المناطق الريفية بعد مدة من الزمان. إن كلمة «pagan» وتعني وثنيّ، لاتينية ومعناها في الأصل «فلّاح، ريفي، مدني (غير عسكري)». وهي مشتقة من هذا التحول التاريخي. أصل هذه الكلمة محفوظ في كلمة «paisan».

أواخر العصور القديمة (القرنان الرابع والخامس)
يقسَّم تنصير الإمبراطورية الرومانية إلى فترتين: قبل عام 312 وبعده، إذ حدث في هذا العام تنصّر قسطنطين (وقد تجودل في صدق تنصّره من عدمه قرونًا طويلة). في هذا الوقت، كانت المسيحية عمّت قسمًا كبيرًا ولكن غير معروف من الناس، على الأقل في التجمعات الحضرية في الإمبراطورية، وشملت عددًا من النخَب. أنهى قسطنطين الاضطهاد المتقطع للمسيحية بمرسوم ميلان، وهو في الحقيقة اقتباس من رسالة للإمبراطوري ليسينيوس كتبها يوسيبوس، ومنحت التسامح لكل الأديان، ولكن خصّت المسيحية بالذكر. تحت حكم خلفاء قسطنطين، استمرّ تنصير المجتمع الروماني على نحو متقطع، وهو ما وثقه جون كيوران بالتفصيل.

حظر أبناء قسطنطين القرابين الدينية للوثنيين عام 341، ولكنهم لم يغلقوا المعابد. ومع أن كل المعابد الحكومية في كل المُدن أُمر بإغلاقها عام 356، فلدينا أدلة تدل على استمرار القرابين التقليدية. تحت حكم جوليان، فُتحت المعابد من جديد واستؤنفت القرابين. عندما رفض غراتيان الإمبراطور 376–383 لقب ومنصب بونتيفكس ماكسيمس، أنهى فعله هذا دين الدولة بسبب سلطة هذا المنصب وعلاقاته بالإدارة الإمبراطورية. ولكن مرّة أخرى، أنهت هذه العملية الممارسات الحكومية ولكن لم تنه العبادة الدينية الخاصة. مع انتشار المسيحية، دُنّس ونُهب ودُمّر كثير من المعابد، وحُوّل بعضها إلى مواقع مسيحية على يد شخصيات مثل مارتن التوروزي، وفي الشرق على يد الرهبان المحاربين. ولكن كثيرًا من المعابد ظلّت مفتوحة حتى مرسوم ثيودوسيوس الأول المسمى ثيسالونيكا عام 381، الذي منع فيه منصب هاروسبكس وممارسات دينية وثنية أخرى. من عام 389 إلى 393، أصدر ثيودوسيوس سلسلة من المراسيم أدّت إلى حظر الشعائر الدينية الوثنية، وسلب أملاك الوثنيين ومنحهم. حُظرت الألعاب الأولمبية عام 392 بسبب ارتباطها بالدين القديم. شُرعت قوانين أخرى ضد الشعائر الوثنية الباقية على مرّ السنين التالية. لا نعرف مدى فعالية هذه القوانين في أرجاء الإمبراطورية. وُثّق تنصر البلقان المركزيين في نهاية القرن الرابع، عندما جاء نيسيتاس أسقف رمسيانا بالإنجيل إلى «ذئاب الجبال» هؤلاء، وهم البيسي. ذُكر أن مهمته نجحت، وأن المسيحية حلّت محل عبادة ديونيسس والآلهة التراقية الأخرى.

كانت معركة فريجيدس عام 395 نقطة تحول، إذ أنهت آخر محاولة جادّة لإحياء الدين الوثني في الإمبراطورية الرومانية المنصّرة وقتها. بعد هزيمة يوجنس، استسلمت الأسر الوثنية المحافظة في روما للمسيحية وبدأت تعيد صناعة نفسها لتحافظ على قيادتها في المجتمع. في ذلك الوقت كانت الكنيسة المسيحية قد اتخذت التعليم والثقافة الكلاسيكية دليلًا على حضارة الإنسان، وجمعت بذلك المجموعتين الاجتماعيتين في حلف. تحت حكم ستيليكو (395–408) تُسُومح مع بعض الوثنية، ولكن بعد ذلك في القرن الخامس، أصبحت التشريعات ضد الأملاك الوثنية والشعائر الوثنية الأخرى صارمةً. يبدو أنه جرت بعد ذلك محاولات لإحياء الوثنية، في عام 456 في دوائر محيطة بالقائد مارسيلينس وتحت حكم أنثميوس (467–472)، ولكن هذه المحاولات لم تجد توفيقًا. في عام 451 حكم ماركيان بالإعدام لكل من يمارس طقسًا وثنيًّا، وأكّد ليو الأول عام 472 هذا الحكم بمعاقبة كل من أدرك وجود شعائر وثنية في ملكه.


يتناول هذا المقال الأسباب الجغرافية المتعلقة بالتنصير في إندونيسيا، من كثرة الجزر، والقرب من الدول النصرانية.

كما يتناول الأسباب التاريخية، وكذلك السياسية التي أسهمت في تقديم مساعدات للهندوس والنصارى الإندونيسيين، وبناء لمعابدهم ودعم لمطبوعاتهم؛ مما يدل على تنامي نفوذهم في هذا البلد.

كتب إسلامية

معنى الاسلام
ما هو الاسلام
ما هو الاسلام الصحيح
معلومات عن الاسلام
شرح تعريف الاسلام
بحث عن الدين الاسلامي
تعريف الاسلام للاطفال
موقع الاسلام

مفهوم الدين pdf
معنى الدين
الدين الاسلامي
الدين المال
تعريف الدين الحق
بحث عن الدين
ما هو الدين الحقيقي في العالم
المعتقدات الدينية الاسلامية



سنة النشر : 1997م / 1418هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 201.4 كيلوبايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة معرکة الإسلام في إندونيسيا في مواجهة هجمات التبشير النصراني

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل معرکة الإسلام في إندونيسيا في مواجهة هجمات التبشير النصراني
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
د. توفيق محمد علوان - Dr.. Tawfiq Muhammad Alwan

كتب د. توفيق محمد علوان ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ معركة الإسلام في إندونيسيا في مواجهة هجمات التبشير النصراني ❝ ❞ تيمور الشرقية ذئاب الصليبية تفترس الغنمة القاصية* ❝ ❞ معرکة الإسلام في إندونيسيا في مواجهة هجمات التبشير النصراني ❝ ❞ المواجهة الفاصلة بين الإسلام و النصرانية في إندونيسيا ❝ ❞ تيمور الشرقية (ذئاب الصليبية تفترس الغنمة القاصية) ❝ ❞ تيمور الشرقية ذئاب الصليبية تفترس الغنمة القاصية ❝ الناشرين : ❞ مجلة البيان ❝ ❱. المزيد..

كتب د. توفيق محمد علوان
الناشر:
مجلة البيان
كتب مجلة البيانفكرية عالمية تقدم رؤية شرعية للأحداث، تخاطب الدعاة والمثقفين، وترتقي بالمسلم ليكون مؤثرًا في واقعه؛ من خلال الوسائل التقنية. ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ السراج في بيان غريب القرآن ❝ ❞ تجديد الخطاب الديني بين التأصيل والتحريف ❝ ❞ مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية دراسة تحليلية نقدية ❝ ❞ الصبر جنة المؤمن ❝ ❞ بناء الأجيال ❝ ❞ معركة النص ❝ ❞ الغزو اللاتيني في (كردستان العراق) ❝ ❞ موقف الليبرالية في البلاد العربية من محكمات الدين دراسة تحليلية نقدية ❝ ❞ موسوعة أحاديث الشمائل النبوية الشريفة الجزء الأول ❝ ❞ أسس الدعوة إلى الله ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ عبد الكريم بكار ❝ ❞ بكر بن عبدالله أبو زيد ❝ ❞ عبدالله بن صالح العجيري ❝ ❞ مجلة البيان ❝ ❞ محمد بن شاكر الشريف ❝ ❞ همام عبد الرحيم سعيد محمد همام عبد الرحيم ❝ ❞ د. عبد العزيز بن مصطفى كامل ❝ ❞ جورج فريدمان ❝ ❞ محمد بن عبد العزيز الخضيري ❝ ❞ أحمد بن عبد الرحمن الصويان ❝ ❞ فهد بن صالح العجلان ❝ ❞ تركي بن سعد بن فهيد الهويمل ❝ ❞ فيصل بن علي البعداني ❝ ❞ محمد يحيى ❝ ❞ د. توفيق محمد علوان ❝ ❞ محمد أمحزون ❝ ❞ مجموعة من المؤلفين ❝ ❞ عبد الراضي بن محمد عبد المحسن ❝ ❞ مركز البحوث والدراسات ❝ ❞ محمد أحمد علي مفتي ❝ ❞ هاني بن عبد الله بن محمد الجبير ❝ ❞ د. باسم خفاجي ❝ ❞ باسم خفاجي ❝ ❞ عبد الرحمن الرواشدي أنس المندلاوي نعمان الجبوري عثمان الأمين ❝ ❞ غزوان مصطفى ياغي ❝ ❞ انور قاسم الخضري ❝ ❞ توفيق علي زبادي ❝ ❞ فيصل البعداني ❝ ❞ د. فرست مرعي الدهوكي ❝ ❞ صالح بن محمد بن عمر الدميجي ❝ ❞ أحمد أمين الشجاع ❝ ❞ فؤاد بن عبد الكريم آل عبد الكريم ❝ ❞ عبد المحسن بن زبن المطيري ❝ ❞ عبد الرحمن الجمهور ❝ ❞ يوسف العياشي الكلام ❝ ❞ إبراهيم بن عبدالله الأزرق ❝ ❞ د.عبدالعزيز بن محمد السحيباني ❝ ❞ أحمد بن علي السديس ❝ ❞ عيسى بن ناصر الدريبي ❝ ❞ أمجاد عوده ❝ ❞ على عبد الله على القرنى ❝ ❞ إبراهيم بن عبد الله الحماد ❝ ❱.المزيد.. كتب مجلة البيان