❞ كتاب أبو العلاء المعري أو متاهات القول ❝  ⏤ عبد الفتاح كيليطو

❞ كتاب أبو العلاء المعري أو متاهات القول ❝ ⏤ عبد الفتاح كيليطو

أبو العَلاء المعريّ (363 هـ - 449 هـ) (973 -1057م) هو أحمدُ بن عبَد الله بن سُلَيمان القضاعي التَنوخي المَعِري، شاعر ومفكر ونحوي وأديب من عصر الدولة العباسية، ولد وتوفي في معرة النعمان في محافظة إدلب وإليها يُنسب. لُقب بـرهين المحبسين أي محبس العمى ومحبس البيت وذلك لأنه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته.

حياته
ولد المعري في معرة النعمان (في سوريا حالياً، ينتمي لعائلة بني سليمان، والتي بدورها تنتمي لقبيلة تنوخ، جده الأعظم كان أول قاضٍ في المدينة، وقد عرف بعض أعضاء عائلة بني سليمان بالشعر، فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري. بدأ يقرأ الشّعرَ في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان، ثم ذهب للدراسة في حلب، وغيرها من المدن الشامية. فدرس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر على نفر من أهله، وفيهم القضاة والفقهاء والشعراء، وقرأ النحو في حلب على أصحاب ابن خالويه، ويدل شعره ونثره على أنه كان عالماً بالأديان والمذاهب وفي عقائد الفرق، وكان آية في معرفة التاريخ والأخبار. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. أخذ المعري النحو وشعر المتنبي عن محمد بن عبد الله بن سعد النحوي. وهو أحد رواة شعر المتنبي.

كان على جانب عظيم من الذكاء والفهم وحدة الذهن والحفظ وتوقد الخاطر، وسافر في أواخر سنة 398 هـ 1007م إلى بغداد فزار دور كتبها وقابل علماءها. وعاد إلى معرة النعمان سنة 400 هـ 1009م، وشرع في التأليف والتصنيف ملازماً بيته، وكان اسم كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم.

وقد كان عزم على اعتزاله الناسَ وهو في بغداد، خصوصاً بعد أن ورد إليه خبر وفاة والده، وقدد عزز فكرة ذهابه عن بغداد أنه رأى تنافس العلماء والرؤساء على الجاه، وتيقن "أن الدنيا كما هي مفطورة على الشرور والدواهي" وقال ذات مرة "وأنا وحشي الغريزة، أنسي الولادة"

وكتب إلى خاله أبي القاسم قبيل منصرفه من بغداد "ولما فاتني المقام بحيث اخترتُ، أجمعت على انفراد يجعلني كالظبي في الكناس، ويقطع ما بيني وبين الناس إلا من وصلني الله به وصل الذراع باليد، والليلة بالغد" وقال بعد اعتزاله بفترة طويلة "لزمت مسكني منذ سنة أربعمائة، واجتهدت على أن أُتوفى على تسبيح الله وتحميده"

عاش المعري بعد اعتزاله زاهداً في الدنيا، معرضاً عن لذاتها، لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن. حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً، ودفن في منزله بمعرة النعمان.

وقد جمعت أخباره مما كتبه المؤرخون وأصحاب السير في كتاب بإشراف الدكتور طه حسين بعنوان "تعريف القدماء بأبي العلاء".

آراؤه في الدين
تعددت الآراء حول آراء المعري في الدين وهناك خلاف في هذه المسألة

الرأي الأول
هناك رأي يقول بأن المعري من المشككين في معتقداته، وندد بالخرافات في الأديان. وبالتالي فقد وصف بأنه مفكر متشائم، وقد يكون أفضل وصف له هو كونه يؤمن بالربوبية. حيث كان يؤمن بأن الدين ”خرافة ابتدعها القدماء“ لا قيمة لها إلا لأولئك الذين يستغلون السذج من الجماهير. وخلال حياة المعري ظهر الكثير من الخلفاء في مصر وبغداد وحلب الذين كانوا يستغلون الدين كأداة لتبرير وتدعيم سلطتهم.

يرى بعض الباحثين أن المعري قد انتقد العديد من عقائد الإسلام، مثل الحج، الذي وصفه بأنه ”رحلة الوثني“. كما ينقل أن المعري قد أعرب عن اعتقاده بأن طقوس تقبيل الحجر الأسود في مكة المكرمة من خرافات الأديان.
وهذه إحدى أبياته:

هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدتويهود حارت والمجوس مضلله
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلادين وآخر ديّن لا عقل له.
كما يزعم بعض المستشرقين أن المعري رفض مزاعم "الوحي الإلهي". عقيدته كانت عقيدة الفيلسوف والزاهد، الذي يتخذ العقل دليلاً أخلاقياً له، والفضيلة هي مكافأته الوحيدة.

وذهب في فلسفته التشاؤمية إلى الحد الذي وصى فيه بعدم إنجاب الأطفال كي نجنبهم آلام الحياة. وفي مرثاة ألفها عقب فقده لقريب له جمع حزنه على قريبه مع تأملاته عن سرعة الزوال، قال:

« خفف الوطء ماأظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد.»
الرأي الآخر
يقول الباحث نرجس توحيدي فر عن عقيدة أبي العلاء:

«يعتقد أبو العلاء في الله تعالى. ما يعتقده المؤمنون المخلفون من المسلمين، ويثبت له من صفات الكمال ما يثبتون له، وينفي عنه من صفات الحدوث والنقص ما ينفون. وإذا استقريت أقواله في هذا الغرض لا ترى فرقاً بينه وبين أعظم المسلمين في الاعتقاد»
وتقول بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن عن أبي العلاء:
«وشاعت كلمت السوء فيه، ومن شأنها أن تشيع فجُرِّح ببعض ما قال مما قد يوهم ظاهره ويشكل، وبغيره مما لم يقل. وإن أكثر مصنفاته لفي الزهد والعظات وتمجيد الله سبحانه وتعالى. وديوان ( اللزوم ) نفسه مليء بنجوى إيمانه الصادق، وأناشيد ضراعته للخالق، جل جلاله ...وشهد له الذين عرفوه عن قرب، بنقاء العقيدة ورسوخ الإيمان. وفيهم من كان قد استراب في أمره، تأثرا بشائعات السوء، ثم بان له من حقيقته ما جعله يشهد له بصحة الدين وقوة اليقين.»
ويقول الدكتور طه حسين إن:
«أبا العلاء قد هداه عقله إلى أن لهذا العالم خالقاً، وإلى أن هذا الخالق حكيم. لا يشك في ذلك، أو على الأقل لا يظهر فيه شكاً... وهو إذا تحدث عن هذا الخالق الحكيم تحدث عنه في لهجة صادق يظهر فيها الإخلاص واضحاً جلياً. ولكنه عاجز عن فهم هذه الحكمة التي يمتاز بها هذا الخالق الحكيم. وعجزه عن فهم هذه الحكمة هو الذي يضنيه ويعنِّيه ويعذبه في نفسه أشد العذاب. خالق حكيم، خلق هذا العالم ورتبه على هذا النحو الذي رتبه عليه. ولكن لماذا، وما بال هذا الخالق الحكيم الذي منحنا هذا العقل وهدانا إلى التفكير لم يكشف لنا القناع كله أو بعضه عن وجه هذه الحكمة التي لا نشك فيها ولا نرتاب؟»
.
وكان المعري يؤمن بالله كإله خالق، قال أبو العلاء:
«الله لا ريبَ فيه، وهو محتجبٌ بادٍ، وكلٌّ إلى طَبعٍ له جذبا... أُثبتُ لي خالقاً حكيماً، ولستُ من معشرٍ نفاة... إذا كُنتَ من فرط السّفاه معطِّلاً، فيا جاحدُ اشهَدْ أنني غيرُ جاحِدِ... أدينً بربٍّ واحدٍ وتَجَنُّبٍ قبيحَ المساعي، حينَ يُظلَمُ دائنُ... إذا قومُنا لم يعبدوا الله وحدهُ بنُصْحٍ، فإنَّا منهمُ بُرآءُ»
ويقول شوقي ضيف:
«وواضح أنه لا يهاجم الديانات نفسها وإنما يهاجم أصحابها، وفَرْق بين أن يهاجم الإسلام والمسيحية واليهودية، وبين أن يهاجم المسلمين والنصارى واليهود وأن يثبت عليهم في عصره نقص عقولهم، فقد اختلف أصحاب كل دين، وتوزعوا فرقًا كبيرة، ويكفي أن نعرف أن المذهب الإسماعيلي الفاطمي كان يسيطر في عصره على مصر والشام مع في أصوله وفروعه من انحراف، وقد هاجمه وهاجم الفرق الشيعية في اللزوميات ورسالة الغفران، كما هاجم كثيرًُا من الفرق الأخرى، مثل النصيرية القائلين بالتناسخ والصوفية القائلين بالحلول، فإذا هتف بأن من يتبعون أمثال هذه المذاهب لا عقول لهم لم يكن معنى ذلك أنه يهاجم الاسلام، إنما يهاجم المسلمين بعصره، وبالمثل النصارى واليهود.»
للمعري قصائد يمدح فيها الإسلام ونبيه وخاصة في ديوان اللزوميات كهذه التالية:
«دَعاكُم إِلى خَيرِ الأُمورِ مُحَمَّدٌ
وَلَيسَ العَوالي في القَنا كَالسَوافِلِ

حَداكُم عَلى تَعظيمِ مَن خَلَقَ الضُحى

وَشُهبَ الدُجى مِن طالِعاتٍ وَآفِل

وَأَلزَمَكُم ما لَيسَ يُعجِزُ حَملُهُ

أَخا الضَعفِ مِن فَرضٍ لَهُ وَنَوافِلُ

وَحَثَّ عَلى تَطهيرِ جِسمٍ وَمَلبَسٍ

وَعاقَبَ في قَذفِ النِساءِ الفَواضِلُ»
وفاته وضريحه
كانت علته ثلاثة أيام، ومات في أوائل شهر ربيع الأول من سنة تسع وأربعين وأربعمائة ومات عن عمر يناهز ستا وثمانين سنة واتفق ياقوت والقفطي ُّ والذهبي ُّ والصفدي َّ وابن خلكان، على أن أبا العلاء لما مات أنشد رثاءه على قبره شعراء، لا يقل عددهم عن سبعين شاعرا، منهم تلميذه أبو الحسن علي بن همام الذي قال فيه من قصيدة:

إن كنت لم ترق الدماء زهادة

فلقد أرقت اليوم من جفني دما

سيرت ذكرك في البلاد كأنه

مسك فسامعة يضمخ أو فما

وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلة

ذكراك أخرج فدية من أحرما"

ضريح أبي العلاء المعري (المركز الثقافي)
يعتبر بناء المركز الثقافي العربي بالمعرة من الأبنية الأثرية الهامة والجليلة في مدينة المعرة؛ لما يمتاز به هذا المبنى من طراز معماري فريد غني بزخارفه البديعة، وقد بني في الأربعينيات من القرن الماضي على مساحة قدرها /500/ متر مربع.

البناء في وسط شارع أبي العلاء، ويطل على الشارع الرئيسي بواجهة معمارية مؤلفة من مدخل بقنطرة مرتفعة ترتكز على عموديين من الحجر ومن ثم يؤدي المدخل إلى باحة مكشوفة يرى فيها ضريح الشاعر والفيلسوف أبي العلاء المعري ضمن قبر متواضع خلا من الزخرفة والصنعة ولطالما كان شاعرنا متواضعاً وبسيطاً، علماً بأن هذا القبر هو ذاته القبر القديم الذي رقد تحته شاعرنا أبي العلاء المعري وقد توضّع هذا القبر ضمن إيوان يتجه إلى الشمال وبجانبه مدخلان يؤديان إلى قاعة المكتبة العلائية والتي ضمت خزائن خشبية عرض فيها مجموعة ضخمة من الكتب العلمية والأدبية والتاريخية وغيرها، هذا فضلاً عن مجموعة أخرى من الكتب حوت آثار شاعرنا أبي العلاء وما كتب عنه الأدباء والشعراء كما يجاور هذه القاعة من الجنوب حديقة متواضعة فيها قبران قديمان يعتقد بأنهما من أقرباء أبي العلاء عليهما كتابة كوفية غير واضحة المعالم، وقد تم تصميم هذا البناء على طراز الأبنية العربية وجعل فيها باحة سماوية وإيوان ومصلى وغيره وبني هذا البناء من حجارة كلسية منحوتة متوسطة وكبيرة الحجم، أما السقوف فكانت مستوية. كما يجاور ضريح أبي العلاء شجرتان شامختان من السرو وقد جعل البناء مسجداً فوق ضريح أبي العلاء المعري، ولكن لم يستخدم لهذا الغرض. وفي عام 1958 أثناء الوحدة بين سورية ومصر اقترح الدكتور طه حسين وزير المعارف في تلك الفترة تحويل المسجد إلى مركز ثقافي، وقد أحدث في عام 1960 مركز ثقافي في نفس المكان.

ولقد زار الأديب الدكتور طه حسين المركز الثقافي العربي في المعرة عدة مرات حتى يقال بأنه أشرف على وضع حجر الأساس لهذا الصرح الثقافي الهام، وكذلك كان على رأس الأدباء والشعراء في المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري بمناسبة ذكرى مرور ألف عام هجري على وفاته هذا المهرجان الثقافي والأدبي الهام والذي أقيمت فعالياته في مدينة المعرة ومدن حلب ودمشق واللاذقية حضره كوكبة من الأدباء والشعراء العرب، منهم الشاعر بدوي الجبل والشاعر محمد مهدي الجواهري الذي كانت انطلاقته الشعرية الأولى في هذا المهرجان من خلال قصيدة المعري والتي مطلعها:

قف بالمعرّة وأمسح خدّها التّربا واستوح من طوّق الدنيا بما وهبا

انتقادات
وردت بعض من أقوال العلماء المسلمين في ذم المعري، الذين نسبوه إلى الزندقة، كابن كثير، وابن قيم الجوزية وأبو الفرج بن الجوزي، الذي قال فيه:

«زَنَادقَةُ الإِسْلاَمِ ثَلاَثَةٌ : ابْنُ الرَّاوَنْدِي، وَأَبُو حَيَّانَ التَّوْحِيْدِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ المَعَرِيُّ، وَأَشدُّهُم عَلَى الإِسْلاَم أَبُو حَيَّانَ، لأَنَّهُمَا صَرَّحَا، وَهُوَ مَجْمَجَ وَلَمْ يُصرِّح.»
ويصفه الذهبي: بـ"الشيخ العلامة، شيخ الآداب أبو العلاء، صاحب التصانيف السائرة، والمتهم في نحلته. ويروي حديث عن غرس النعمة: "حدثنا الوزير أبو نصر بن جهير، حدثنا المنازي الشاعر قال: اجتمعت بأبي العلاء، فقلت: ما هذا الذي يروى عنك؟ قال: حسدوني، وكذبوا علي. فقلت: على ماذا حسدوك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة؟ فقال: والآخرة؟ ! قلت: إي والله." ويختم الذهبي قوله بـ "والله أعلم بما ختم له".

أعماله
بعض من أشهر مؤلفاته

سقط الزنداللزوميات
رسالة الغفران
رسالة الملائكة

أول مجموعة شعرية ظهرت له هو ديوان سقط الزند، وقد لاقت شعبية كبيرة، وأسست شعبيته كشاعر.
ثاني مجموعة شعرية له والأكثر إبداعاً هي لزوم مالا يلزم أو اللزوميات، وقد التزم فيه المعري ما لا يلزمه نظام القوافي.
ثم ثالث أشهر أعماله هو رسالة الغفران الذي هو أحد الكتب الأكثر فاعلية وتأثيراً في التراث العربي، والذي ترك تأثيراً ملحوظاً على أجيال الكتّاب التي تلت. وهو رسالة كتبها جوابًا على رسالة ابن القارح التي يشكوه هذا الأخير فيها من أهل عصره، ومن وزراء وسلاطين زمانه، ومن هرمه وشيبه، وردّ المعري برسالة الغفران في قسمين :
القسم الأول هو عبارة عن قصة تخيّلية جعل المعري من ابن القارح بطلها ويركز في القصة على الثرات العربي عامة والشعري خاصة، ويحكي فيه زيارة ابن القارح للجنة والجحيم الخاصة بكل من الجن المعروفين في الثرات العربي وكذا الحيوانات (كالحية الملقبة بذات الصفا) والوحوش و شعراء -الجاهلية- وهؤلاء الأخيرون كان لهم النصيب الأكبر في الرسالة، وقد صنفهم المعري على النمط التالي : من كان في شعره ما يبين ايمانه الخالص بالله أو بأنبيائه ورسله وضعه في الجنة -كالأعشى- ومن دل شعره على العكس وُضع في الجحيم -كإمرئ القيس-، وأكثر ما يثير الاهتمام في رسالة الغفران هو عبقرية المعري في الاستطراد، والفلسفة العميقة، والبلاغة المذهلة. بعد ظهور آراء ميغيل آسين بلاسيوس يقول البعض بأن من الواضح أن كتاب رسالة الغفران كان له تأثيراً على (أو حتى ألهم) دانتي أليغييري في كتابه الكوميديا الإلهية وذلك لأن الاثنين في كتابيهما زارا الجنة والجحيم وتحدثا مع الموتى. وقد اعتبر الناقد المغربي عبد الفتاح كيلطو أن رسالة الغفران لم تكن مشهورة في عهد المعري، وأن معاصري أبي العلاء لم يعيروها اهتماما كبيرا، ولم يعتبروها تتميز عن باقي رسائل المعري، كرسالة الملائكة، أو رسالة الجنز في القرن العشرين اصبح كتاب المعري أكثر رواجا وانتشارا بفضل دانتي بحيث اشتهرت رسالة الغفران لأنها اعتبرت كرافد من الروافد التي غذت الكوميديا الإلهية.
أما القسم الثاني فيرد فيه المعري على ابن القارح ردًا مباشرًا ويواسيه في أحزانه ويناقش معه ما تحدث عنه في رسالته.

ترجمة لرباعية من ديوان اللزوميات لأبو العلاء المعري بواسطة المستشرق الأنكليزي جوزيف كارليل سنة 1796.
ثم يأتي كتاب "فقرات وفترات" أو "الفصول والغايات"، وهو عبارة عن مجموعة من المواعظ ونُظِمَ على حروف المعجم. وقال عنه المعري:
«لزمتُ مسكني منذ سنة أربعمئة، واجتهدتُ أن أتوفّر على تسبيح الله وتحميده، إلا أنْ أضطرّ إلى غير ذلك، فأمليتُ أشياءَ... وهي على ضُروبٍ مختلِفة، فمنها ما هو في الزهد والعظات، وتمجيد الله سبحانه، من المنظوم والمنثور؛ فمن ذلك الكتاب المعروف بـ"الفصول والغايات". وهو كتاب موضوع على حروف المعجم، ما خلا الألف، لأن فواصلَه مبنية على أن يكون ما قبل الحرف المعتمَد فيها ألفًا، ومِن المُحال أن يُجمَع بين ألفين، ولكن تجيء الهمزة وقبلها ألف، مثل: الغطاء وكساء؛ وكذلك السراب والشباب، في الباء، ثم على هذا الترتيب»
وتكلم ابن عديم عنه قائلًا:
«وهو الكتاب الذي افتُرِي عليه بسببه، وقيل إنّه عارضَ به السّور والآيات، تعدّيًا عليه وظُلمًا، وإفْكًا به أقدَموا عليه وإثْمًا؛ فإنّ الكتاب ليس من باب المعارضة في شيء. ومقداره مائة كراسة»
أما كتبه الأخرى فهي كثيرة وفهرسها في معجم الأدباء:

الأيك والغصون - (في الأدب يربو على مائة جزء) (مخطوطة غير كاملة)
تاج الحرة - (في النساء وأخلاقهن وعظاتهن) (مخطوطة غير كاملة)
عبث الوليد - (شرح ونقد ديوان البحتري) - (مخطوطة غير كاملة)
رسالة الملائكة
رسالة الهناء
معجز أحمد (حديث عن المتنبي وشرح بعض أشعاره)
شرح ديوان الحماسة
ضوء السقط - (شرح لديوان سقط الزند)
رسالة الصاهل والشاحج
تلاميذه

في هذا الكتاب يقدم لنا والناقد المغربي البارع ، بفكره المتفرد وأسلوبه السلس، رحلته في سيرة أبي العلاء المعري، وفي فصوله القليلة يقرأ لنا كيليطو شخصية المعري قراءة عميقة وبنظرة تحليلة ثاقبة، فيحدثنا عن شخصيته، وحبه للعزلة، تشاؤمه وفطنته، وعلاقته بوالديه وسبب الكراهة التي نشبت بينهم، رغم أنه حزن عليهما حزنًا شديدًا عند وفاتهما ورثاهما بشعر تدمع له الأعين، ويستعرض لنا أشعاره التي أثير حولها الكثير من الجدل، فمرة يُرمى بالشك ومرة بمعارضة القرآن، ومرة بالإلحاد، ويتطرق لتكفير الكثيرين له، وردوده على خصومه، وطريقته في التفكير، وآراؤه، وتعصبه للمتنبي، والسر في رواج رسالة الغفران دون الكثير من أعماله الأخرى، ومن ذكروه من العلماء المسلمين كابن الجوزي.
عبد الفتاح كيليطو -

كاتب مغربي ولد في 1945 ، بمدينة الرباط ، المغرب . كتب العديد من الكتب باللغتين العربية والفرنسية ، وكتب أيضاً في مجلات مثل الدراسات الإسلامية تابع دراسته في ثانوية مولاي يوسف، ثم بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. حاصل على دكتوراه دولة من جامعة السوربون الجديدة عام 1982، حول موضوع السرد والأنساق الثقافية في مقامات الهمداني والحريري. يعمل أستاذاً بكلية الآداب جامعة محمد الخامس، الرباط، أكدال، منذ سنة 1968. ألقى العديد من المحاضرات، وشارك في لقاءات ثقافية في المغرب وخارجه، وعضو في اتحاد كتاب المغرب. قام بالتدريس كأستاذ زائر بعدة جامعات أوروبية وأمريكية من بينها جامعة بوردو، والسوربون الجديدة، الكوليج دو فرانس، جامعة برينستون، جامعة هارفارد. شكلت أعماله موضوع مقالات وتعليقات صحفية، وكتب، وأبحاث جامعية، بالعربية والفرنسية. نقلت بعض أعماله إلى لغات من بينها "الإنجليزية، والفرنسية، واللمانية، والإسبانية، والإيطالية". ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الأدب والغرابة: دراسات بنيوية في الأدب العربي ❝ ❞ أبو العلاء المعري أو متاهات القول ❝ ❞ المقامات السرد والأنساق الثقافية ❝ ❞ أبو العلاء المعري أو متاهات القول ❝ ❞ الة والتناسخ عبد الفتاح كليطو ❝ ❞ الأدب والارتياب ❝ ❞ والله ان هذه الحكاية لحكايتى ❝ ❞ لن تتكلم لغتي ❝ ❞ المنهجية في الأدب والعلوم الإنسانية ❝ الناشرين : ❞ دار الطليعة للطباعة والنشر ❝ ❞ منشورات المتوسط ❝ ❞ دار توبقال للنشر ❝ ❱
من كتب السير و المذكرات التراجم والأعلام - مكتبة الكتب والموسوعات العامة.

نبذة عن الكتاب:
أبو العلاء المعري أو متاهات القول

أبو العَلاء المعريّ (363 هـ - 449 هـ) (973 -1057م) هو أحمدُ بن عبَد الله بن سُلَيمان القضاعي التَنوخي المَعِري، شاعر ومفكر ونحوي وأديب من عصر الدولة العباسية، ولد وتوفي في معرة النعمان في محافظة إدلب وإليها يُنسب. لُقب بـرهين المحبسين أي محبس العمى ومحبس البيت وذلك لأنه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته.

حياته
ولد المعري في معرة النعمان (في سوريا حالياً، ينتمي لعائلة بني سليمان، والتي بدورها تنتمي لقبيلة تنوخ، جده الأعظم كان أول قاضٍ في المدينة، وقد عرف بعض أعضاء عائلة بني سليمان بالشعر، فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري. بدأ يقرأ الشّعرَ في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان، ثم ذهب للدراسة في حلب، وغيرها من المدن الشامية. فدرس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر على نفر من أهله، وفيهم القضاة والفقهاء والشعراء، وقرأ النحو في حلب على أصحاب ابن خالويه، ويدل شعره ونثره على أنه كان عالماً بالأديان والمذاهب وفي عقائد الفرق، وكان آية في معرفة التاريخ والأخبار. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. أخذ المعري النحو وشعر المتنبي عن محمد بن عبد الله بن سعد النحوي. وهو أحد رواة شعر المتنبي.

كان على جانب عظيم من الذكاء والفهم وحدة الذهن والحفظ وتوقد الخاطر، وسافر في أواخر سنة 398 هـ 1007م إلى بغداد فزار دور كتبها وقابل علماءها. وعاد إلى معرة النعمان سنة 400 هـ 1009م، وشرع في التأليف والتصنيف ملازماً بيته، وكان اسم كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم.

وقد كان عزم على اعتزاله الناسَ وهو في بغداد، خصوصاً بعد أن ورد إليه خبر وفاة والده، وقدد عزز فكرة ذهابه عن بغداد أنه رأى تنافس العلماء والرؤساء على الجاه، وتيقن "أن الدنيا كما هي مفطورة على الشرور والدواهي" وقال ذات مرة "وأنا وحشي الغريزة، أنسي الولادة"

وكتب إلى خاله أبي القاسم قبيل منصرفه من بغداد "ولما فاتني المقام بحيث اخترتُ، أجمعت على انفراد يجعلني كالظبي في الكناس، ويقطع ما بيني وبين الناس إلا من وصلني الله به وصل الذراع باليد، والليلة بالغد" وقال بعد اعتزاله بفترة طويلة "لزمت مسكني منذ سنة أربعمائة، واجتهدت على أن أُتوفى على تسبيح الله وتحميده"

عاش المعري بعد اعتزاله زاهداً في الدنيا، معرضاً عن لذاتها، لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن. حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً، ودفن في منزله بمعرة النعمان.

وقد جمعت أخباره مما كتبه المؤرخون وأصحاب السير في كتاب بإشراف الدكتور طه حسين بعنوان "تعريف القدماء بأبي العلاء".

آراؤه في الدين
تعددت الآراء حول آراء المعري في الدين وهناك خلاف في هذه المسألة

الرأي الأول
هناك رأي يقول بأن المعري من المشككين في معتقداته، وندد بالخرافات في الأديان. وبالتالي فقد وصف بأنه مفكر متشائم، وقد يكون أفضل وصف له هو كونه يؤمن بالربوبية. حيث كان يؤمن بأن الدين ”خرافة ابتدعها القدماء“ لا قيمة لها إلا لأولئك الذين يستغلون السذج من الجماهير. وخلال حياة المعري ظهر الكثير من الخلفاء في مصر وبغداد وحلب الذين كانوا يستغلون الدين كأداة لتبرير وتدعيم سلطتهم.

يرى بعض الباحثين أن المعري قد انتقد العديد من عقائد الإسلام، مثل الحج، الذي وصفه بأنه ”رحلة الوثني“. كما ينقل أن المعري قد أعرب عن اعتقاده بأن طقوس تقبيل الحجر الأسود في مكة المكرمة من خرافات الأديان.
وهذه إحدى أبياته:

هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدتويهود حارت والمجوس مضلله
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلادين وآخر ديّن لا عقل له.
كما يزعم بعض المستشرقين أن المعري رفض مزاعم "الوحي الإلهي". عقيدته كانت عقيدة الفيلسوف والزاهد، الذي يتخذ العقل دليلاً أخلاقياً له، والفضيلة هي مكافأته الوحيدة.

وذهب في فلسفته التشاؤمية إلى الحد الذي وصى فيه بعدم إنجاب الأطفال كي نجنبهم آلام الحياة. وفي مرثاة ألفها عقب فقده لقريب له جمع حزنه على قريبه مع تأملاته عن سرعة الزوال، قال:

« خفف الوطء ماأظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد.»
الرأي الآخر
يقول الباحث نرجس توحيدي فر عن عقيدة أبي العلاء:

«يعتقد أبو العلاء في الله تعالى. ما يعتقده المؤمنون المخلفون من المسلمين، ويثبت له من صفات الكمال ما يثبتون له، وينفي عنه من صفات الحدوث والنقص ما ينفون. وإذا استقريت أقواله في هذا الغرض لا ترى فرقاً بينه وبين أعظم المسلمين في الاعتقاد»
وتقول بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن عن أبي العلاء:
«وشاعت كلمت السوء فيه، ومن شأنها أن تشيع فجُرِّح ببعض ما قال مما قد يوهم ظاهره ويشكل، وبغيره مما لم يقل. وإن أكثر مصنفاته لفي الزهد والعظات وتمجيد الله سبحانه وتعالى. وديوان ( اللزوم ) نفسه مليء بنجوى إيمانه الصادق، وأناشيد ضراعته للخالق، جل جلاله ...وشهد له الذين عرفوه عن قرب، بنقاء العقيدة ورسوخ الإيمان. وفيهم من كان قد استراب في أمره، تأثرا بشائعات السوء، ثم بان له من حقيقته ما جعله يشهد له بصحة الدين وقوة اليقين.»
ويقول الدكتور طه حسين إن:
«أبا العلاء قد هداه عقله إلى أن لهذا العالم خالقاً، وإلى أن هذا الخالق حكيم. لا يشك في ذلك، أو على الأقل لا يظهر فيه شكاً... وهو إذا تحدث عن هذا الخالق الحكيم تحدث عنه في لهجة صادق يظهر فيها الإخلاص واضحاً جلياً. ولكنه عاجز عن فهم هذه الحكمة التي يمتاز بها هذا الخالق الحكيم. وعجزه عن فهم هذه الحكمة هو الذي يضنيه ويعنِّيه ويعذبه في نفسه أشد العذاب. خالق حكيم، خلق هذا العالم ورتبه على هذا النحو الذي رتبه عليه. ولكن لماذا، وما بال هذا الخالق الحكيم الذي منحنا هذا العقل وهدانا إلى التفكير لم يكشف لنا القناع كله أو بعضه عن وجه هذه الحكمة التي لا نشك فيها ولا نرتاب؟»
.
وكان المعري يؤمن بالله كإله خالق، قال أبو العلاء:
«الله لا ريبَ فيه، وهو محتجبٌ بادٍ، وكلٌّ إلى طَبعٍ له جذبا... أُثبتُ لي خالقاً حكيماً، ولستُ من معشرٍ نفاة... إذا كُنتَ من فرط السّفاه معطِّلاً، فيا جاحدُ اشهَدْ أنني غيرُ جاحِدِ... أدينً بربٍّ واحدٍ وتَجَنُّبٍ قبيحَ المساعي، حينَ يُظلَمُ دائنُ... إذا قومُنا لم يعبدوا الله وحدهُ بنُصْحٍ، فإنَّا منهمُ بُرآءُ»
ويقول شوقي ضيف:
«وواضح أنه لا يهاجم الديانات نفسها وإنما يهاجم أصحابها، وفَرْق بين أن يهاجم الإسلام والمسيحية واليهودية، وبين أن يهاجم المسلمين والنصارى واليهود وأن يثبت عليهم في عصره نقص عقولهم، فقد اختلف أصحاب كل دين، وتوزعوا فرقًا كبيرة، ويكفي أن نعرف أن المذهب الإسماعيلي الفاطمي كان يسيطر في عصره على مصر والشام مع في أصوله وفروعه من انحراف، وقد هاجمه وهاجم الفرق الشيعية في اللزوميات ورسالة الغفران، كما هاجم كثيرًُا من الفرق الأخرى، مثل النصيرية القائلين بالتناسخ والصوفية القائلين بالحلول، فإذا هتف بأن من يتبعون أمثال هذه المذاهب لا عقول لهم لم يكن معنى ذلك أنه يهاجم الاسلام، إنما يهاجم المسلمين بعصره، وبالمثل النصارى واليهود.»
للمعري قصائد يمدح فيها الإسلام ونبيه وخاصة في ديوان اللزوميات كهذه التالية:
«دَعاكُم إِلى خَيرِ الأُمورِ مُحَمَّدٌ
وَلَيسَ العَوالي في القَنا كَالسَوافِلِ

حَداكُم عَلى تَعظيمِ مَن خَلَقَ الضُحى

وَشُهبَ الدُجى مِن طالِعاتٍ وَآفِل

وَأَلزَمَكُم ما لَيسَ يُعجِزُ حَملُهُ

أَخا الضَعفِ مِن فَرضٍ لَهُ وَنَوافِلُ

وَحَثَّ عَلى تَطهيرِ جِسمٍ وَمَلبَسٍ

وَعاقَبَ في قَذفِ النِساءِ الفَواضِلُ»
وفاته وضريحه
كانت علته ثلاثة أيام، ومات في أوائل شهر ربيع الأول من سنة تسع وأربعين وأربعمائة ومات عن عمر يناهز ستا وثمانين سنة واتفق ياقوت والقفطي ُّ والذهبي ُّ والصفدي َّ وابن خلكان، على أن أبا العلاء لما مات أنشد رثاءه على قبره شعراء، لا يقل عددهم عن سبعين شاعرا، منهم تلميذه أبو الحسن علي بن همام الذي قال فيه من قصيدة:

إن كنت لم ترق الدماء زهادة

فلقد أرقت اليوم من جفني دما

سيرت ذكرك في البلاد كأنه

مسك فسامعة يضمخ أو فما

وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلة

ذكراك أخرج فدية من أحرما"

ضريح أبي العلاء المعري (المركز الثقافي)
يعتبر بناء المركز الثقافي العربي بالمعرة من الأبنية الأثرية الهامة والجليلة في مدينة المعرة؛ لما يمتاز به هذا المبنى من طراز معماري فريد غني بزخارفه البديعة، وقد بني في الأربعينيات من القرن الماضي على مساحة قدرها /500/ متر مربع.

البناء في وسط شارع أبي العلاء، ويطل على الشارع الرئيسي بواجهة معمارية مؤلفة من مدخل بقنطرة مرتفعة ترتكز على عموديين من الحجر ومن ثم يؤدي المدخل إلى باحة مكشوفة يرى فيها ضريح الشاعر والفيلسوف أبي العلاء المعري ضمن قبر متواضع خلا من الزخرفة والصنعة ولطالما كان شاعرنا متواضعاً وبسيطاً، علماً بأن هذا القبر هو ذاته القبر القديم الذي رقد تحته شاعرنا أبي العلاء المعري وقد توضّع هذا القبر ضمن إيوان يتجه إلى الشمال وبجانبه مدخلان يؤديان إلى قاعة المكتبة العلائية والتي ضمت خزائن خشبية عرض فيها مجموعة ضخمة من الكتب العلمية والأدبية والتاريخية وغيرها، هذا فضلاً عن مجموعة أخرى من الكتب حوت آثار شاعرنا أبي العلاء وما كتب عنه الأدباء والشعراء كما يجاور هذه القاعة من الجنوب حديقة متواضعة فيها قبران قديمان يعتقد بأنهما من أقرباء أبي العلاء عليهما كتابة كوفية غير واضحة المعالم، وقد تم تصميم هذا البناء على طراز الأبنية العربية وجعل فيها باحة سماوية وإيوان ومصلى وغيره وبني هذا البناء من حجارة كلسية منحوتة متوسطة وكبيرة الحجم، أما السقوف فكانت مستوية. كما يجاور ضريح أبي العلاء شجرتان شامختان من السرو وقد جعل البناء مسجداً فوق ضريح أبي العلاء المعري، ولكن لم يستخدم لهذا الغرض. وفي عام 1958 أثناء الوحدة بين سورية ومصر اقترح الدكتور طه حسين وزير المعارف في تلك الفترة تحويل المسجد إلى مركز ثقافي، وقد أحدث في عام 1960 مركز ثقافي في نفس المكان.

ولقد زار الأديب الدكتور طه حسين المركز الثقافي العربي في المعرة عدة مرات حتى يقال بأنه أشرف على وضع حجر الأساس لهذا الصرح الثقافي الهام، وكذلك كان على رأس الأدباء والشعراء في المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري بمناسبة ذكرى مرور ألف عام هجري على وفاته هذا المهرجان الثقافي والأدبي الهام والذي أقيمت فعالياته في مدينة المعرة ومدن حلب ودمشق واللاذقية حضره كوكبة من الأدباء والشعراء العرب، منهم الشاعر بدوي الجبل والشاعر محمد مهدي الجواهري الذي كانت انطلاقته الشعرية الأولى في هذا المهرجان من خلال قصيدة المعري والتي مطلعها:

قف بالمعرّة وأمسح خدّها التّربا واستوح من طوّق الدنيا بما وهبا

انتقادات
وردت بعض من أقوال العلماء المسلمين في ذم المعري، الذين نسبوه إلى الزندقة، كابن كثير، وابن قيم الجوزية وأبو الفرج بن الجوزي، الذي قال فيه:

«زَنَادقَةُ الإِسْلاَمِ ثَلاَثَةٌ : ابْنُ الرَّاوَنْدِي، وَأَبُو حَيَّانَ التَّوْحِيْدِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ المَعَرِيُّ، وَأَشدُّهُم عَلَى الإِسْلاَم أَبُو حَيَّانَ، لأَنَّهُمَا صَرَّحَا، وَهُوَ مَجْمَجَ وَلَمْ يُصرِّح.»
ويصفه الذهبي: بـ"الشيخ العلامة، شيخ الآداب أبو العلاء، صاحب التصانيف السائرة، والمتهم في نحلته. ويروي حديث عن غرس النعمة: "حدثنا الوزير أبو نصر بن جهير، حدثنا المنازي الشاعر قال: اجتمعت بأبي العلاء، فقلت: ما هذا الذي يروى عنك؟ قال: حسدوني، وكذبوا علي. فقلت: على ماذا حسدوك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة؟ فقال: والآخرة؟ ! قلت: إي والله." ويختم الذهبي قوله بـ "والله أعلم بما ختم له".

أعماله
بعض من أشهر مؤلفاته

سقط الزنداللزوميات
رسالة الغفران
رسالة الملائكة

أول مجموعة شعرية ظهرت له هو ديوان سقط الزند، وقد لاقت شعبية كبيرة، وأسست شعبيته كشاعر.
ثاني مجموعة شعرية له والأكثر إبداعاً هي لزوم مالا يلزم أو اللزوميات، وقد التزم فيه المعري ما لا يلزمه نظام القوافي.
ثم ثالث أشهر أعماله هو رسالة الغفران الذي هو أحد الكتب الأكثر فاعلية وتأثيراً في التراث العربي، والذي ترك تأثيراً ملحوظاً على أجيال الكتّاب التي تلت. وهو رسالة كتبها جوابًا على رسالة ابن القارح التي يشكوه هذا الأخير فيها من أهل عصره، ومن وزراء وسلاطين زمانه، ومن هرمه وشيبه، وردّ المعري برسالة الغفران في قسمين :
القسم الأول هو عبارة عن قصة تخيّلية جعل المعري من ابن القارح بطلها ويركز في القصة على الثرات العربي عامة والشعري خاصة، ويحكي فيه زيارة ابن القارح للجنة والجحيم الخاصة بكل من الجن المعروفين في الثرات العربي وكذا الحيوانات (كالحية الملقبة بذات الصفا) والوحوش و شعراء -الجاهلية- وهؤلاء الأخيرون كان لهم النصيب الأكبر في الرسالة، وقد صنفهم المعري على النمط التالي : من كان في شعره ما يبين ايمانه الخالص بالله أو بأنبيائه ورسله وضعه في الجنة -كالأعشى- ومن دل شعره على العكس وُضع في الجحيم -كإمرئ القيس-، وأكثر ما يثير الاهتمام في رسالة الغفران هو عبقرية المعري في الاستطراد، والفلسفة العميقة، والبلاغة المذهلة. بعد ظهور آراء ميغيل آسين بلاسيوس يقول البعض بأن من الواضح أن كتاب رسالة الغفران كان له تأثيراً على (أو حتى ألهم) دانتي أليغييري في كتابه الكوميديا الإلهية وذلك لأن الاثنين في كتابيهما زارا الجنة والجحيم وتحدثا مع الموتى. وقد اعتبر الناقد المغربي عبد الفتاح كيلطو أن رسالة الغفران لم تكن مشهورة في عهد المعري، وأن معاصري أبي العلاء لم يعيروها اهتماما كبيرا، ولم يعتبروها تتميز عن باقي رسائل المعري، كرسالة الملائكة، أو رسالة الجنز في القرن العشرين اصبح كتاب المعري أكثر رواجا وانتشارا بفضل دانتي بحيث اشتهرت رسالة الغفران لأنها اعتبرت كرافد من الروافد التي غذت الكوميديا الإلهية.
أما القسم الثاني فيرد فيه المعري على ابن القارح ردًا مباشرًا ويواسيه في أحزانه ويناقش معه ما تحدث عنه في رسالته.

ترجمة لرباعية من ديوان اللزوميات لأبو العلاء المعري بواسطة المستشرق الأنكليزي جوزيف كارليل سنة 1796.
ثم يأتي كتاب "فقرات وفترات" أو "الفصول والغايات"، وهو عبارة عن مجموعة من المواعظ ونُظِمَ على حروف المعجم. وقال عنه المعري:
«لزمتُ مسكني منذ سنة أربعمئة، واجتهدتُ أن أتوفّر على تسبيح الله وتحميده، إلا أنْ أضطرّ إلى غير ذلك، فأمليتُ أشياءَ... وهي على ضُروبٍ مختلِفة، فمنها ما هو في الزهد والعظات، وتمجيد الله سبحانه، من المنظوم والمنثور؛ فمن ذلك الكتاب المعروف بـ"الفصول والغايات". وهو كتاب موضوع على حروف المعجم، ما خلا الألف، لأن فواصلَه مبنية على أن يكون ما قبل الحرف المعتمَد فيها ألفًا، ومِن المُحال أن يُجمَع بين ألفين، ولكن تجيء الهمزة وقبلها ألف، مثل: الغطاء وكساء؛ وكذلك السراب والشباب، في الباء، ثم على هذا الترتيب»
وتكلم ابن عديم عنه قائلًا:
«وهو الكتاب الذي افتُرِي عليه بسببه، وقيل إنّه عارضَ به السّور والآيات، تعدّيًا عليه وظُلمًا، وإفْكًا به أقدَموا عليه وإثْمًا؛ فإنّ الكتاب ليس من باب المعارضة في شيء. ومقداره مائة كراسة»
أما كتبه الأخرى فهي كثيرة وفهرسها في معجم الأدباء:

الأيك والغصون - (في الأدب يربو على مائة جزء) (مخطوطة غير كاملة)
تاج الحرة - (في النساء وأخلاقهن وعظاتهن) (مخطوطة غير كاملة)
عبث الوليد - (شرح ونقد ديوان البحتري) - (مخطوطة غير كاملة)
رسالة الملائكة
رسالة الهناء
معجز أحمد (حديث عن المتنبي وشرح بعض أشعاره)
شرح ديوان الحماسة
ضوء السقط - (شرح لديوان سقط الزند)
رسالة الصاهل والشاحج
تلاميذه

في هذا الكتاب يقدم لنا والناقد المغربي البارع ، بفكره المتفرد وأسلوبه السلس، رحلته في سيرة أبي العلاء المعري، وفي فصوله القليلة يقرأ لنا كيليطو شخصية المعري قراءة عميقة وبنظرة تحليلة ثاقبة، فيحدثنا عن شخصيته، وحبه للعزلة، تشاؤمه وفطنته، وعلاقته بوالديه وسبب الكراهة التي نشبت بينهم، رغم أنه حزن عليهما حزنًا شديدًا عند وفاتهما ورثاهما بشعر تدمع له الأعين، ويستعرض لنا أشعاره التي أثير حولها الكثير من الجدل، فمرة يُرمى بالشك ومرة بمعارضة القرآن، ومرة بالإلحاد، ويتطرق لتكفير الكثيرين له، وردوده على خصومه، وطريقته في التفكير، وآراؤه، وتعصبه للمتنبي، والسر في رواج رسالة الغفران دون الكثير من أعماله الأخرى، ومن ذكروه من العلماء المسلمين كابن الجوزي. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

أبو العَلاء المعريّ (363 هـ - 449 هـ) (973 -1057م) هو أحمدُ بن عبَد الله بن سُلَيمان القضاعي التَنوخي المَعِري، شاعر ومفكر ونحوي وأديب من عصر الدولة العباسية، ولد وتوفي في معرة النعمان في محافظة إدلب وإليها يُنسب. لُقب بـرهين المحبسين أي محبس العمى ومحبس البيت وذلك لأنه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته.

حياته
ولد المعري في معرة النعمان (في سوريا حالياً، ينتمي لعائلة بني سليمان، والتي بدورها تنتمي لقبيلة تنوخ، جده الأعظم كان أول قاضٍ في المدينة، وقد عرف بعض أعضاء عائلة بني سليمان بالشعر، فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري. بدأ يقرأ الشّعرَ في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان، ثم ذهب للدراسة في حلب، وغيرها من المدن الشامية. فدرس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر على نفر من أهله، وفيهم القضاة والفقهاء والشعراء، وقرأ النحو في حلب على أصحاب ابن خالويه، ويدل شعره ونثره على أنه كان عالماً بالأديان والمذاهب وفي عقائد الفرق، وكان آية في معرفة التاريخ والأخبار. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. أخذ المعري النحو وشعر المتنبي عن محمد بن عبد الله بن سعد النحوي. وهو أحد رواة شعر المتنبي.

كان على جانب عظيم من الذكاء والفهم وحدة الذهن والحفظ وتوقد الخاطر، وسافر في أواخر سنة 398 هـ 1007م إلى بغداد فزار دور كتبها وقابل علماءها. وعاد إلى معرة النعمان سنة 400 هـ 1009م، وشرع في التأليف والتصنيف ملازماً بيته، وكان اسم كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم.

وقد كان عزم على اعتزاله الناسَ وهو في بغداد، خصوصاً بعد أن ورد إليه خبر وفاة والده، وقدد عزز فكرة ذهابه عن بغداد أنه رأى تنافس العلماء والرؤساء على الجاه، وتيقن "أن الدنيا كما هي مفطورة على الشرور والدواهي" وقال ذات مرة "وأنا وحشي الغريزة، أنسي الولادة" 

وكتب إلى خاله أبي القاسم قبيل منصرفه من بغداد "ولما فاتني المقام بحيث اخترتُ، أجمعت على انفراد يجعلني كالظبي في الكناس، ويقطع ما بيني وبين الناس إلا من وصلني الله به وصل الذراع باليد، والليلة بالغد" وقال بعد اعتزاله بفترة طويلة "لزمت مسكني منذ سنة أربعمائة، واجتهدت على أن أُتوفى على تسبيح الله وتحميده"

عاش المعري بعد اعتزاله زاهداً في الدنيا، معرضاً عن لذاتها، لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن. حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً، ودفن في منزله بمعرة النعمان.

وقد جمعت أخباره مما كتبه المؤرخون وأصحاب السير في كتاب بإشراف الدكتور طه حسين بعنوان "تعريف القدماء بأبي العلاء".

آراؤه في الدين
تعددت الآراء حول آراء المعري في الدين وهناك خلاف في هذه المسألة

الرأي الأول
هناك رأي يقول بأن المعري من المشككين في معتقداته، وندد بالخرافات في الأديان. وبالتالي فقد وصف بأنه مفكر متشائم، وقد يكون أفضل وصف له هو كونه يؤمن بالربوبية. حيث كان يؤمن بأن الدين ”خرافة ابتدعها القدماء“  لا قيمة لها إلا لأولئك الذين يستغلون السذج من الجماهير. وخلال حياة المعري ظهر الكثير من الخلفاء في مصر وبغداد وحلب الذين كانوا يستغلون الدين كأداة لتبرير وتدعيم سلطتهم.

يرى بعض الباحثين أن المعري قد انتقد العديد من عقائد الإسلام، مثل الحج، الذي وصفه بأنه ”رحلة الوثني“. كما ينقل أن المعري قد أعرب عن اعتقاده بأن طقوس تقبيل الحجر الأسود في مكة المكرمة من خرافات الأديان.
وهذه إحدى أبياته:

هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت        ويهود حارت والمجوس مضلله
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا        دين وآخر ديّن لا عقل له.
كما يزعم بعض المستشرقين أن المعري رفض مزاعم "الوحي الإلهي". عقيدته كانت عقيدة الفيلسوف والزاهد، الذي يتخذ العقل دليلاً أخلاقياً له، والفضيلة هي مكافأته الوحيدة.

وذهب في فلسفته التشاؤمية إلى الحد الذي وصى فيه بعدم إنجاب الأطفال كي نجنبهم آلام الحياة. وفي مرثاة ألفها عقب فقده لقريب له جمع حزنه على قريبه مع تأملاته عن سرعة الزوال، قال:

« خفف الوطء ماأظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد.»
الرأي الآخر
يقول الباحث نرجس توحيدي فر عن عقيدة أبي العلاء:

«يعتقد أبو العلاء في الله تعالى. ما يعتقده المؤمنون المخلفون من المسلمين، ويثبت له من صفات الكمال ما يثبتون له، وينفي عنه من صفات الحدوث والنقص ما ينفون. وإذا استقريت أقواله في هذا الغرض لا ترى فرقاً بينه وبين أعظم المسلمين في الاعتقاد»
وتقول بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن عن أبي العلاء:
«وشاعت كلمت السوء فيه، ومن شأنها أن تشيع فجُرِّح ببعض ما قال مما قد يوهم ظاهره ويشكل، وبغيره مما لم يقل. وإن أكثر مصنفاته لفي الزهد والعظات وتمجيد الله سبحانه وتعالى. وديوان ( اللزوم ) نفسه مليء بنجوى إيمانه الصادق، وأناشيد ضراعته للخالق، جل جلاله ...وشهد له الذين عرفوه عن قرب، بنقاء العقيدة ورسوخ الإيمان. وفيهم من كان قد استراب في أمره، تأثرا بشائعات السوء، ثم بان له من حقيقته ما جعله يشهد له بصحة الدين وقوة اليقين.»
ويقول الدكتور طه حسين إن:
«أبا العلاء قد هداه عقله إلى أن لهذا العالم خالقاً، وإلى أن هذا الخالق حكيم. لا يشك في ذلك، أو على الأقل لا يظهر فيه شكاً... وهو إذا تحدث عن هذا الخالق الحكيم تحدث عنه في لهجة صادق يظهر فيها الإخلاص واضحاً جلياً. ولكنه عاجز عن فهم هذه الحكمة التي يمتاز بها هذا الخالق الحكيم. وعجزه عن فهم هذه الحكمة هو الذي يضنيه ويعنِّيه ويعذبه في نفسه أشد العذاب. خالق حكيم، خلق هذا العالم ورتبه على هذا النحو الذي رتبه عليه. ولكن لماذا، وما بال هذا الخالق الحكيم الذي منحنا هذا العقل وهدانا إلى التفكير لم يكشف لنا القناع كله أو بعضه عن وجه هذه الحكمة التي لا نشك فيها ولا نرتاب؟»
.
وكان المعري يؤمن بالله كإله خالق، قال أبو العلاء:
«الله لا ريبَ فيه، وهو محتجبٌ بادٍ، وكلٌّ إلى طَبعٍ له جذبا... أُثبتُ لي خالقاً حكيماً، ولستُ من معشرٍ نفاة... إذا كُنتَ من فرط السّفاه معطِّلاً، فيا جاحدُ اشهَدْ أنني غيرُ جاحِدِ... أدينً بربٍّ واحدٍ وتَجَنُّبٍ قبيحَ المساعي، حينَ يُظلَمُ دائنُ... إذا قومُنا لم يعبدوا الله وحدهُ بنُصْحٍ، فإنَّا منهمُ بُرآءُ»
ويقول شوقي ضيف:
«وواضح أنه لا يهاجم الديانات نفسها وإنما يهاجم أصحابها، وفَرْق بين أن يهاجم الإسلام والمسيحية واليهودية، وبين أن يهاجم المسلمين والنصارى واليهود وأن يثبت عليهم في عصره نقص عقولهم، فقد اختلف أصحاب كل دين، وتوزعوا فرقًا كبيرة، ويكفي أن نعرف أن المذهب الإسماعيلي الفاطمي كان يسيطر في عصره على مصر والشام مع في أصوله وفروعه من انحراف، وقد هاجمه وهاجم الفرق الشيعية في اللزوميات ورسالة الغفران، كما هاجم كثيرًُا من الفرق الأخرى، مثل النصيرية القائلين بالتناسخ والصوفية القائلين بالحلول، فإذا هتف بأن من يتبعون أمثال هذه المذاهب لا عقول لهم لم يكن معنى ذلك أنه يهاجم الاسلام، إنما يهاجم المسلمين بعصره، وبالمثل النصارى واليهود.»
للمعري قصائد يمدح فيها الإسلام ونبيه وخاصة في ديوان اللزوميات كهذه التالية:
«دَعاكُم إِلى خَيرِ الأُمورِ مُحَمَّدٌ
وَلَيسَ العَوالي في القَنا كَالسَوافِلِ

حَداكُم عَلى تَعظيمِ مَن خَلَقَ الضُحى

وَشُهبَ الدُجى مِن طالِعاتٍ وَآفِل

وَأَلزَمَكُم ما لَيسَ يُعجِزُ حَملُهُ

أَخا الضَعفِ مِن فَرضٍ لَهُ وَنَوافِلُ

وَحَثَّ عَلى تَطهيرِ جِسمٍ وَمَلبَسٍ

وَعاقَبَ في قَذفِ النِساءِ الفَواضِلُ»
وفاته وضريحه
كانت علته ثلاثة أيام، ومات في أوائل شهر ربيع الأول من سنة تسع وأربعين وأربعمائة ومات عن عمر يناهز ستا وثمانين سنة  واتفق ياقوت والقفطي ُّ والذهبي ُّ والصفدي َّ وابن خلكان، على أن أبا العلاء لما مات أنشد رثاءه على قبره شعراء، لا يقل عددهم عن سبعين شاعرا، منهم تلميذه أبو الحسن علي بن همام الذي قال فيه من قصيدة:

إن كنت لم ترق الدماء زهادة

فلقد أرقت اليوم من جفني دما

سيرت ذكرك في البلاد كأنه

مسك فسامعة يضمخ أو فما

وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلة

ذكراك أخرج فدية من أحرما" 

ضريح أبي العلاء المعري (المركز الثقافي)
يعتبر بناء المركز الثقافي العربي بالمعرة من الأبنية الأثرية الهامة والجليلة في مدينة المعرة؛ لما يمتاز به هذا المبنى من طراز معماري فريد غني بزخارفه البديعة، وقد بني في الأربعينيات من القرن الماضي على مساحة قدرها /500/ متر مربع.

البناء في وسط شارع أبي العلاء، ويطل على الشارع الرئيسي بواجهة معمارية مؤلفة من مدخل بقنطرة مرتفعة ترتكز على عموديين من الحجر ومن ثم يؤدي المدخل إلى باحة مكشوفة يرى فيها ضريح الشاعر والفيلسوف أبي العلاء المعري ضمن قبر متواضع خلا من الزخرفة والصنعة ولطالما كان شاعرنا متواضعاً وبسيطاً، علماً بأن هذا القبر هو ذاته القبر القديم الذي رقد تحته شاعرنا أبي العلاء المعري وقد توضّع هذا القبر ضمن إيوان يتجه إلى الشمال وبجانبه مدخلان يؤديان إلى قاعة المكتبة العلائية والتي ضمت خزائن خشبية عرض فيها مجموعة ضخمة من الكتب العلمية والأدبية والتاريخية وغيرها، هذا فضلاً عن مجموعة أخرى من الكتب حوت آثار شاعرنا أبي العلاء وما كتب عنه الأدباء والشعراء كما يجاور هذه القاعة من الجنوب حديقة متواضعة فيها قبران قديمان يعتقد بأنهما من أقرباء أبي العلاء عليهما كتابة كوفية غير واضحة المعالم، وقد تم تصميم هذا البناء على طراز الأبنية العربية وجعل فيها باحة سماوية وإيوان ومصلى وغيره وبني هذا البناء من حجارة كلسية منحوتة متوسطة وكبيرة الحجم، أما السقوف فكانت مستوية. كما يجاور ضريح أبي العلاء شجرتان شامختان من السرو وقد جعل البناء مسجداً فوق ضريح أبي العلاء المعري، ولكن لم يستخدم لهذا الغرض. وفي عام 1958 أثناء الوحدة بين سورية ومصر اقترح الدكتور طه حسين وزير المعارف في تلك الفترة تحويل المسجد إلى مركز ثقافي، وقد أحدث في عام 1960 مركز ثقافي في نفس المكان.

ولقد زار الأديب الدكتور طه حسين المركز الثقافي العربي في المعرة عدة مرات حتى يقال بأنه أشرف على وضع حجر الأساس لهذا الصرح الثقافي الهام، وكذلك كان على رأس الأدباء والشعراء في المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري بمناسبة ذكرى مرور ألف عام هجري على وفاته هذا المهرجان الثقافي والأدبي الهام والذي أقيمت فعالياته في مدينة المعرة ومدن حلب ودمشق واللاذقية حضره كوكبة من الأدباء والشعراء العرب، منهم الشاعر بدوي الجبل والشاعر محمد مهدي الجواهري الذي كانت انطلاقته الشعرية الأولى في هذا المهرجان من خلال قصيدة المعري والتي مطلعها:

قف بالمعرّة وأمسح خدّها التّربا واستوح من طوّق الدنيا بما وهبا

انتقادات
وردت بعض من أقوال العلماء المسلمين في ذم المعري، الذين نسبوه إلى الزندقة، كابن كثير، وابن قيم الجوزية وأبو الفرج بن الجوزي، الذي قال فيه:

«زَنَادقَةُ الإِسْلاَمِ ثَلاَثَةٌ : ابْنُ الرَّاوَنْدِي، وَأَبُو حَيَّانَ التَّوْحِيْدِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ المَعَرِيُّ، وَأَشدُّهُم عَلَى الإِسْلاَم أَبُو حَيَّانَ، لأَنَّهُمَا صَرَّحَا، وَهُوَ مَجْمَجَ وَلَمْ يُصرِّح.»
ويصفه الذهبي: بـ"الشيخ العلامة، شيخ الآداب أبو العلاء، صاحب التصانيف السائرة، والمتهم في نحلته. ويروي حديث عن غرس النعمة: "حدثنا الوزير أبو نصر بن جهير، حدثنا المنازي الشاعر قال: اجتمعت بأبي العلاء، فقلت: ما هذا الذي يروى عنك؟ قال: حسدوني، وكذبوا علي. فقلت: على ماذا حسدوك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة؟ فقال: والآخرة؟ ! قلت: إي والله." ويختم الذهبي قوله بـ "والله أعلم بما ختم له".

أعماله
بعض من أشهر مؤلفاته

سقط الزند    اللزوميات
    رسالة الغفران
    رسالة الملائكة

أول مجموعة شعرية ظهرت له هو ديوان سقط الزند، وقد لاقت شعبية كبيرة، وأسست شعبيته كشاعر.
ثاني مجموعة شعرية له والأكثر إبداعاً هي لزوم مالا يلزم أو اللزوميات، وقد التزم فيه المعري ما لا يلزمه نظام القوافي.
ثم ثالث أشهر أعماله هو رسالة الغفران الذي هو أحد الكتب الأكثر فاعلية وتأثيراً في التراث العربي، والذي ترك تأثيراً ملحوظاً على أجيال الكتّاب التي تلت. وهو رسالة كتبها جوابًا على رسالة ابن القارح التي يشكوه هذا الأخير فيها من أهل عصره، ومن وزراء وسلاطين زمانه، ومن هرمه وشيبه، وردّ المعري برسالة الغفران في قسمين :
القسم الأول هو عبارة عن قصة تخيّلية جعل المعري من ابن القارح بطلها ويركز في القصة على الثرات العربي عامة والشعري خاصة، ويحكي فيه زيارة ابن القارح للجنة والجحيم الخاصة بكل من الجن المعروفين في الثرات العربي وكذا الحيوانات (كالحية الملقبة بذات الصفا) والوحوش و شعراء -الجاهلية- وهؤلاء الأخيرون كان لهم النصيب الأكبر في الرسالة، وقد صنفهم المعري على النمط التالي : من كان في شعره ما يبين ايمانه الخالص بالله أو بأنبيائه ورسله وضعه في الجنة -كالأعشى- ومن دل شعره على العكس وُضع في الجحيم -كإمرئ القيس-، وأكثر ما يثير الاهتمام في رسالة الغفران هو عبقرية المعري في الاستطراد، والفلسفة العميقة، والبلاغة المذهلة. بعد ظهور آراء ميغيل آسين بلاسيوس يقول البعض بأن من الواضح أن كتاب رسالة الغفران كان له تأثيراً على (أو حتى ألهم) دانتي أليغييري في كتابه الكوميديا الإلهية وذلك لأن الاثنين في كتابيهما زارا الجنة والجحيم وتحدثا مع الموتى. وقد اعتبر الناقد المغربي عبد الفتاح كيلطو أن رسالة الغفران لم تكن مشهورة في عهد المعري، وأن معاصري أبي العلاء لم يعيروها اهتماما كبيرا، ولم يعتبروها تتميز عن باقي رسائل المعري، كرسالة الملائكة، أو رسالة الجنز في القرن العشرين اصبح كتاب المعري أكثر رواجا وانتشارا بفضل دانتي بحيث اشتهرت رسالة الغفران لأنها اعتبرت كرافد من الروافد التي غذت الكوميديا الإلهية.
أما القسم الثاني فيرد فيه المعري على ابن القارح ردًا مباشرًا ويواسيه في أحزانه ويناقش معه ما تحدث عنه في رسالته.

ترجمة لرباعية من ديوان اللزوميات لأبو العلاء المعري بواسطة المستشرق الأنكليزي جوزيف كارليل سنة 1796.
ثم يأتي كتاب "فقرات وفترات" أو "الفصول والغايات"، وهو عبارة عن مجموعة من المواعظ ونُظِمَ على حروف المعجم. وقال عنه المعري:
«لزمتُ مسكني منذ سنة أربعمئة، واجتهدتُ أن أتوفّر على تسبيح الله وتحميده، إلا أنْ أضطرّ إلى غير ذلك، فأمليتُ أشياءَ... وهي على ضُروبٍ مختلِفة، فمنها ما هو في الزهد والعظات، وتمجيد الله سبحانه، من المنظوم والمنثور؛ فمن ذلك الكتاب المعروف بـ"الفصول والغايات". وهو كتاب موضوع على حروف المعجم، ما خلا الألف، لأن فواصلَه مبنية على أن يكون ما قبل الحرف المعتمَد فيها ألفًا، ومِن المُحال أن يُجمَع بين ألفين، ولكن تجيء الهمزة وقبلها ألف، مثل: الغطاء وكساء؛ وكذلك السراب والشباب، في الباء، ثم على هذا الترتيب»
وتكلم ابن عديم عنه قائلًا:
«وهو الكتاب الذي افتُرِي عليه بسببه، وقيل إنّه عارضَ به السّور والآيات، تعدّيًا عليه وظُلمًا، وإفْكًا به أقدَموا عليه وإثْمًا؛ فإنّ الكتاب ليس من باب المعارضة في شيء. ومقداره مائة كراسة»
أما كتبه الأخرى فهي كثيرة وفهرسها في معجم الأدباء:

الأيك والغصون - (في الأدب يربو على مائة جزء) (مخطوطة غير كاملة)
تاج الحرة - (في النساء وأخلاقهن وعظاتهن) (مخطوطة غير كاملة)
عبث الوليد - (شرح ونقد ديوان البحتري) - (مخطوطة غير كاملة)
رسالة الملائكة
رسالة الهناء
معجز أحمد (حديث عن المتنبي وشرح بعض أشعاره)
شرح ديوان الحماسة
ضوء السقط - (شرح لديوان سقط الزند)
رسالة الصاهل والشاحج
تلاميذه

 في هذا الكتاب يقدم لنا والناقد المغربي البارع ، بفكره المتفرد وأسلوبه السلس، رحلته في سيرة أبي العلاء المعري، وفي فصوله القليلة يقرأ لنا كيليطو شخصية المعري قراءة عميقة وبنظرة تحليلة ثاقبة، فيحدثنا عن شخصيته، وحبه للعزلة، تشاؤمه وفطنته، وعلاقته بوالديه وسبب الكراهة التي نشبت بينهم، رغم أنه حزن عليهما حزنًا شديدًا عند وفاتهما ورثاهما بشعر تدمع له الأعين، ويستعرض لنا أشعاره التي أثير حولها الكثير من الجدل، فمرة يُرمى بالشك ومرة بمعارضة القرآن، ومرة بالإلحاد، ويتطرق لتكفير الكثيرين له، وردوده على خصومه، وطريقته في التفكير، وآراؤه، وتعصبه للمتنبي، والسر في رواج رسالة الغفران دون الكثير من أعماله الأخرى، ومن ذكروه من العلماء المسلمين كابن الجوزي. 



حجم الكتاب عند التحميل : 18.7 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة أبو العلاء المعري أو متاهات القول

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل أبو العلاء المعري أو متاهات القول
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
عبد الفتاح كيليطو - Abdelfattah Kilito

كتب عبد الفتاح كيليطو كاتب مغربي ولد في 1945 ، بمدينة الرباط ، المغرب . كتب العديد من الكتب باللغتين العربية والفرنسية ، وكتب أيضاً في مجلات مثل الدراسات الإسلامية تابع دراسته في ثانوية مولاي يوسف، ثم بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. حاصل على دكتوراه دولة من جامعة السوربون الجديدة عام 1982، حول موضوع السرد والأنساق الثقافية في مقامات الهمداني والحريري. يعمل أستاذاً بكلية الآداب جامعة محمد الخامس، الرباط، أكدال، منذ سنة 1968. ألقى العديد من المحاضرات، وشارك في لقاءات ثقافية في المغرب وخارجه، وعضو في اتحاد كتاب المغرب. قام بالتدريس كأستاذ زائر بعدة جامعات أوروبية وأمريكية من بينها جامعة بوردو، والسوربون الجديدة، الكوليج دو فرانس، جامعة برينستون، جامعة هارفارد. شكلت أعماله موضوع مقالات وتعليقات صحفية، وكتب، وأبحاث جامعية، بالعربية والفرنسية. نقلت بعض أعماله إلى لغات من بينها "الإنجليزية، والفرنسية، واللمانية، والإسبانية، والإيطالية". ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الأدب والغرابة: دراسات بنيوية في الأدب العربي ❝ ❞ أبو العلاء المعري أو متاهات القول ❝ ❞ المقامات السرد والأنساق الثقافية ❝ ❞ أبو العلاء المعري أو متاهات القول ❝ ❞ الة والتناسخ عبد الفتاح كليطو ❝ ❞ الأدب والارتياب ❝ ❞ والله ان هذه الحكاية لحكايتى ❝ ❞ لن تتكلم لغتي ❝ ❞ المنهجية في الأدب والعلوم الإنسانية ❝ الناشرين : ❞ دار الطليعة للطباعة والنشر ❝ ❞ منشورات المتوسط ❝ ❞ دار توبقال للنشر ❝ ❱. المزيد..

كتب عبد الفتاح كيليطو