❞ كتاب مدارات صوفية ❝  ⏤ هادي العلوي

❞ كتاب مدارات صوفية ❝ ⏤ هادي العلوي

الصوفية أو التصوف هو مذهب إسلامي، لكن وفق الرؤية الصوفية ليست مذهبًا، وإنما هو أحد مراتب الدين الثلاثة (الإسلام، الإيمان، الإحسان)، فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام، وعلم العقيدة بالإيمان، فإن التصوف اهتم بتحقيق مقام الإحسان، مقام التربية والسلوك، مقام تربية النفس والقلب وتطهيرهما من الرذائل وتحليتهما بالفضائل، الذي هو الركن الثالث من أركان الدين الإسلامي الكامل بعد ركني الإسلام والإيمان، وقد جمعها حديث جبريل، وذكرها ابن عاشر في منظومته (المرشد المعين على الضروري من علوم الدين)، وحث أكثر على مقام الإحسان، لما له من عظيم القدر والشأن في الإسلام.

قال أحمد بن عجيبة: «مقام الإسلام يُعبّر عنه بالشريعة، ومقام الإيمان بالطريقة، ومقام الإحسان بالحقيقة. فالشريعة: تكليف الظواهر. والطريقة: تصفية الضمائر. والحقيقة: شهود الحق في تجليات المظاهر. فالشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده». وقال أيضاً: «مذهب الصوفية: أن العمل إذا كان حدّه الجوارح الظاهرة يُسمى مقام الإسلام، وإذا انتقل لتصفية البواطن بالرياضة والمجاهدة يُسمى مقام الإيمان، وإذا فتح على العبد بأسرار الحقيقة يُسمى مقام الإحسان».

والإحسان كما تضمنه حديث جبريل هو: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وهو منهج أو طريق يسلكه العبد للوصول إلى الله، أي الوصول إلى معرفته والعلم به، وذلك عن طريق الاجتهاد في العبادات واجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتحليته بالأخلاق الحسنة. وهذا المنهج يقولون أنه يستمد أصوله وفروعه من القرآن والسنة النبوية واجتهاد العلماء فيما لم يرد فيه نص، فهو علم كعلم الفقه له مذاهبه ومدارسه ومجتهديه وأئمته الذين شيدوا أركانه وقواعده - كغيره من العلوم - جيلاً بعد جيل حتى جعلوه علما سموه بـ علم التصوف، وعلم التزكية، وعلم الأخلاق، وعلم السلوك، أو علم السالكين إلى الله، فألفوا فيه الكتب الكثيرة بينوا فيها أصوله وفروعه وقواعده، ومن أشهر هذه الكتب: الحِكَم العطائية لابن عطاء الله السكندري، قواعد التصوف للشيخ أحمد زروق، وإحياء علوم الدين للإمام الغزالي، والرسالة القشيرية للإمام القشيري، والتعرف لمذهب أهل التصوف للإمام أبي بكر الكلاباذي وغيرها.

ومعنى التصوف الحقيقي كان في الصدر الأول من عصر الصحابة رضي الله عنهم، فالخلفاء الأربعة كانوا صوفيين معنى، ويؤكد ذلك كتاب حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم الأصبهاني - أحد مشاهير المحدثين - فقد بدأ كتابه الحلية بصوفية الصحابة، ثم أتبعهم بصوفية التابعين، وهكذا.

انتشرت حركة التصوف في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة متنوعة معروفة باسم الطرق الصوفية. والتاريخ الإسلامي زاخر بعلماء مسلمين انتسبوا للتصوف مثل: الجنيد البغدادي، وأحمد الرفاعي، وعبد القادر الجيلاني، أحمد البدوي، إبراهيم الدسوقي وأبو الحسن الشاذلي، وأبو مدين الغوث، ومحي الدين بن عربي، وشمس التبريزي، وجلال الدين الرومي، والنووي، والغزالي، والعز بن عبد السلام كما القادة مثل: صلاح الدين الأيوبي، ومحمد الفاتح، والأمير عبد القادر، وعمر المختار، وعز الدين القسام.

نتج عن كثرة دخول غير المتعلمين والجهلة في طرق التصوف إلى عدد من الممارسات خاطئة عرّضها في بداية القرن الماضي للهجوم باعتبارها ممثلة للثقافة الدينية التي تنشر الخرافات، ثم بدأ مع منتصف القرن الماضي الهجوم من قبل المدرسة السلفية باعتبارها بدعة دخيلة على الإسلام.

نحتضن تاريخنا لنبدأ منه. ومهمة المؤلف، كما يقول، هي واعية قاصدة، هي العودة إلى التراث أي البدء من النهاية.. والتصوف من نهاياتنا التي يبدأ منها، ومنه تتشعب ساحات تتكامل بالصراع إذ هو في منحاه الاجتماعي معارضة للسلطات الثلاث: سلطة الدولة وسلطة الدين وسلطة المال، وسيجد القارئ أنه انتهى في القرن التاسع للهجرة مع عبد الكريم الجيلي وأن ما يعده كان دروشة، وفي أجمل أشكاله تصوف اهتيامي جرى فيه المتصوفة الفرس وكتبوه باللغة الفارسية فهو أدب لا فكر. والمؤلف في كتابه هذا يريد استعادة التصوف المنتهي وهو التصوف المناضل، ليكون من مساند الصراع الحالي ضد الأغيار.

وأكثر ما يعني المؤلف منه النضال من أجل الفقراء ضد الدولة ورجالها والدين ورجاله والمال وأصحابه. وهذا يعني الانطلاق من التصوف المناضل لتأسيس شيوعية القاعدة وهي المشاعية التي انتظمت نضال المتصوفة من إبراهيم بن أدهم حتى عبد القادر الجيلي (الكيلاني) وتكون بتحويل الأموال الخاصة إلى أموال عامة وإجرائها في مصالح الناس اليومية بما يضمن لهم الطعام والملبس والمأوى والعلاج، وما فاض عن ذلك يعطى للدولة لتنفقه في شؤونها الأخرى. وفي مجرى هذا النضال يسعى الكاتب لإيجاد شخصية حرة من قيود الدولة والدين متماهية بالقيم المشاعية والتعاونية والجماعية زاهدة لا متكالبة على الملذات تعيش في اعتدال لا بشظف ولا ترف أمينة متعففة عن الصغائر.

هذا الكتاب عبارة عن دراسة عن فرق التصوف، ولكن التصوف هنا ليس كما يتبادر إلى الأذهان بأنه التصوف الإسلامي المعروف، بل يرمي المؤلف إلى ماهو أبعد من ذلك حيث يتناول فرق التصوف الإسلامية والمسيحية وغيرهم، ويتناول أهم أعلامهم وأبرز أفكارهم وفلسفاتهم، والاتجاهات السياسية-الاجتماعية والتصوف المشاعي تحديدا، ثم في النهاية يستعرض بعض الكلمات والمصطلحات الصوفية ودلالاتها وبعضا من أشعارهم.

ولذلك فهو كتاب يسافر بالقارئ ليطوف حول العالم من الشرق الى الغرب حيث تُمحى الحدود القومية والدينية، وتتوحد في ذات الصوفي كل القيم التي أبدعتها الإنسانية على طريق بلوغ الكمال.
هادي العلوي - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ فصول عن المرأة ❝ ❞ مدارات صوفية ❝ ❞ فصول عن المراة ❝ الناشرين : ❞ دار الكنوز الادبية ❝ ❞ مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي ❝ ❱
من كتب الزهد والتصوف وتزكية النفس - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
مدارات صوفية

1997م - 1445هـ
الصوفية أو التصوف هو مذهب إسلامي، لكن وفق الرؤية الصوفية ليست مذهبًا، وإنما هو أحد مراتب الدين الثلاثة (الإسلام، الإيمان، الإحسان)، فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام، وعلم العقيدة بالإيمان، فإن التصوف اهتم بتحقيق مقام الإحسان، مقام التربية والسلوك، مقام تربية النفس والقلب وتطهيرهما من الرذائل وتحليتهما بالفضائل، الذي هو الركن الثالث من أركان الدين الإسلامي الكامل بعد ركني الإسلام والإيمان، وقد جمعها حديث جبريل، وذكرها ابن عاشر في منظومته (المرشد المعين على الضروري من علوم الدين)، وحث أكثر على مقام الإحسان، لما له من عظيم القدر والشأن في الإسلام.

قال أحمد بن عجيبة: «مقام الإسلام يُعبّر عنه بالشريعة، ومقام الإيمان بالطريقة، ومقام الإحسان بالحقيقة. فالشريعة: تكليف الظواهر. والطريقة: تصفية الضمائر. والحقيقة: شهود الحق في تجليات المظاهر. فالشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده». وقال أيضاً: «مذهب الصوفية: أن العمل إذا كان حدّه الجوارح الظاهرة يُسمى مقام الإسلام، وإذا انتقل لتصفية البواطن بالرياضة والمجاهدة يُسمى مقام الإيمان، وإذا فتح على العبد بأسرار الحقيقة يُسمى مقام الإحسان».

والإحسان كما تضمنه حديث جبريل هو: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وهو منهج أو طريق يسلكه العبد للوصول إلى الله، أي الوصول إلى معرفته والعلم به، وذلك عن طريق الاجتهاد في العبادات واجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتحليته بالأخلاق الحسنة. وهذا المنهج يقولون أنه يستمد أصوله وفروعه من القرآن والسنة النبوية واجتهاد العلماء فيما لم يرد فيه نص، فهو علم كعلم الفقه له مذاهبه ومدارسه ومجتهديه وأئمته الذين شيدوا أركانه وقواعده - كغيره من العلوم - جيلاً بعد جيل حتى جعلوه علما سموه بـ علم التصوف، وعلم التزكية، وعلم الأخلاق، وعلم السلوك، أو علم السالكين إلى الله، فألفوا فيه الكتب الكثيرة بينوا فيها أصوله وفروعه وقواعده، ومن أشهر هذه الكتب: الحِكَم العطائية لابن عطاء الله السكندري، قواعد التصوف للشيخ أحمد زروق، وإحياء علوم الدين للإمام الغزالي، والرسالة القشيرية للإمام القشيري، والتعرف لمذهب أهل التصوف للإمام أبي بكر الكلاباذي وغيرها.

ومعنى التصوف الحقيقي كان في الصدر الأول من عصر الصحابة رضي الله عنهم، فالخلفاء الأربعة كانوا صوفيين معنى، ويؤكد ذلك كتاب حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم الأصبهاني - أحد مشاهير المحدثين - فقد بدأ كتابه الحلية بصوفية الصحابة، ثم أتبعهم بصوفية التابعين، وهكذا.

انتشرت حركة التصوف في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة متنوعة معروفة باسم الطرق الصوفية. والتاريخ الإسلامي زاخر بعلماء مسلمين انتسبوا للتصوف مثل: الجنيد البغدادي، وأحمد الرفاعي، وعبد القادر الجيلاني، أحمد البدوي، إبراهيم الدسوقي وأبو الحسن الشاذلي، وأبو مدين الغوث، ومحي الدين بن عربي، وشمس التبريزي، وجلال الدين الرومي، والنووي، والغزالي، والعز بن عبد السلام كما القادة مثل: صلاح الدين الأيوبي، ومحمد الفاتح، والأمير عبد القادر، وعمر المختار، وعز الدين القسام.

نتج عن كثرة دخول غير المتعلمين والجهلة في طرق التصوف إلى عدد من الممارسات خاطئة عرّضها في بداية القرن الماضي للهجوم باعتبارها ممثلة للثقافة الدينية التي تنشر الخرافات، ثم بدأ مع منتصف القرن الماضي الهجوم من قبل المدرسة السلفية باعتبارها بدعة دخيلة على الإسلام.

نحتضن تاريخنا لنبدأ منه. ومهمة المؤلف، كما يقول، هي واعية قاصدة، هي العودة إلى التراث أي البدء من النهاية.. والتصوف من نهاياتنا التي يبدأ منها، ومنه تتشعب ساحات تتكامل بالصراع إذ هو في منحاه الاجتماعي معارضة للسلطات الثلاث: سلطة الدولة وسلطة الدين وسلطة المال، وسيجد القارئ أنه انتهى في القرن التاسع للهجرة مع عبد الكريم الجيلي وأن ما يعده كان دروشة، وفي أجمل أشكاله تصوف اهتيامي جرى فيه المتصوفة الفرس وكتبوه باللغة الفارسية فهو أدب لا فكر. والمؤلف في كتابه هذا يريد استعادة التصوف المنتهي وهو التصوف المناضل، ليكون من مساند الصراع الحالي ضد الأغيار.

وأكثر ما يعني المؤلف منه النضال من أجل الفقراء ضد الدولة ورجالها والدين ورجاله والمال وأصحابه. وهذا يعني الانطلاق من التصوف المناضل لتأسيس شيوعية القاعدة وهي المشاعية التي انتظمت نضال المتصوفة من إبراهيم بن أدهم حتى عبد القادر الجيلي (الكيلاني) وتكون بتحويل الأموال الخاصة إلى أموال عامة وإجرائها في مصالح الناس اليومية بما يضمن لهم الطعام والملبس والمأوى والعلاج، وما فاض عن ذلك يعطى للدولة لتنفقه في شؤونها الأخرى. وفي مجرى هذا النضال يسعى الكاتب لإيجاد شخصية حرة من قيود الدولة والدين متماهية بالقيم المشاعية والتعاونية والجماعية زاهدة لا متكالبة على الملذات تعيش في اعتدال لا بشظف ولا ترف أمينة متعففة عن الصغائر.

هذا الكتاب عبارة عن دراسة عن فرق التصوف، ولكن التصوف هنا ليس كما يتبادر إلى الأذهان بأنه التصوف الإسلامي المعروف، بل يرمي المؤلف إلى ماهو أبعد من ذلك حيث يتناول فرق التصوف الإسلامية والمسيحية وغيرهم، ويتناول أهم أعلامهم وأبرز أفكارهم وفلسفاتهم، والاتجاهات السياسية-الاجتماعية والتصوف المشاعي تحديدا، ثم في النهاية يستعرض بعض الكلمات والمصطلحات الصوفية ودلالاتها وبعضا من أشعارهم.

ولذلك فهو كتاب يسافر بالقارئ ليطوف حول العالم من الشرق الى الغرب حيث تُمحى الحدود القومية والدينية، وتتوحد في ذات الصوفي كل القيم التي أبدعتها الإنسانية على طريق بلوغ الكمال. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

الصوفية أو التصوف هو مذهب إسلامي، لكن وفق الرؤية الصوفية ليست مذهبًا، وإنما هو أحد مراتب الدين الثلاثة (الإسلام، الإيمان، الإحسان)، فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام، وعلم العقيدة بالإيمان، فإن التصوف اهتم بتحقيق مقام الإحسان، مقام التربية والسلوك، مقام تربية النفس والقلب وتطهيرهما من الرذائل وتحليتهما بالفضائل، الذي هو الركن الثالث من أركان الدين الإسلامي الكامل بعد ركني الإسلام والإيمان، وقد جمعها حديث جبريل، وذكرها ابن عاشر في منظومته (المرشد المعين على الضروري من علوم الدين)، وحث أكثر على مقام الإحسان، لما له من عظيم القدر والشأن في الإسلام.

قال أحمد بن عجيبة: «مقام الإسلام يُعبّر عنه بالشريعة، ومقام الإيمان بالطريقة، ومقام الإحسان بالحقيقة. فالشريعة: تكليف الظواهر. والطريقة: تصفية الضمائر. والحقيقة: شهود الحق في تجليات المظاهر. فالشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده». وقال أيضاً: «مذهب الصوفية: أن العمل إذا كان حدّه الجوارح الظاهرة يُسمى مقام الإسلام، وإذا انتقل لتصفية البواطن بالرياضة والمجاهدة يُسمى مقام الإيمان، وإذا فتح على العبد بأسرار الحقيقة يُسمى مقام الإحسان».

والإحسان كما تضمنه حديث جبريل هو: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وهو منهج أو طريق يسلكه العبد للوصول إلى الله، أي الوصول إلى معرفته والعلم به، وذلك عن طريق الاجتهاد في العبادات واجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتحليته بالأخلاق الحسنة. وهذا المنهج يقولون أنه يستمد أصوله وفروعه من القرآن والسنة النبوية واجتهاد العلماء فيما لم يرد فيه نص، فهو علم كعلم الفقه له مذاهبه ومدارسه ومجتهديه وأئمته الذين شيدوا أركانه وقواعده - كغيره من العلوم - جيلاً بعد جيل حتى جعلوه علما سموه بـ علم التصوف، وعلم التزكية، وعلم الأخلاق، وعلم السلوك، أو علم السالكين إلى الله،  فألفوا فيه الكتب الكثيرة بينوا فيها أصوله وفروعه وقواعده، ومن أشهر هذه الكتب: الحِكَم العطائية لابن عطاء الله السكندري، قواعد التصوف للشيخ أحمد زروق، وإحياء علوم الدين للإمام الغزالي، والرسالة القشيرية للإمام القشيري، والتعرف لمذهب أهل التصوف للإمام أبي بكر الكلاباذي وغيرها.

ومعنى التصوف الحقيقي كان في الصدر الأول من عصر الصحابة رضي الله عنهم، فالخلفاء الأربعة كانوا صوفيين معنى، ويؤكد ذلك كتاب حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم الأصبهاني - أحد مشاهير المحدثين - فقد بدأ كتابه الحلية بصوفية الصحابة، ثم أتبعهم بصوفية التابعين، وهكذا.

انتشرت حركة التصوف في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة متنوعة معروفة باسم الطرق الصوفية. والتاريخ الإسلامي زاخر بعلماء مسلمين انتسبوا للتصوف مثل: الجنيد البغدادي، وأحمد الرفاعي، وعبد القادر الجيلاني، أحمد البدوي، إبراهيم الدسوقي وأبو الحسن الشاذلي، وأبو مدين الغوث، ومحي الدين بن عربي، وشمس التبريزي، وجلال الدين الرومي، والنووي، والغزالي، والعز بن عبد السلام كما القادة مثل: صلاح الدين الأيوبي، ومحمد الفاتح، والأمير عبد القادر، وعمر المختار، وعز الدين القسام.

نتج عن كثرة دخول غير المتعلمين والجهلة في طرق التصوف إلى عدد من الممارسات خاطئة عرّضها في بداية القرن الماضي للهجوم باعتبارها ممثلة للثقافة الدينية التي تنشر الخرافات، ثم بدأ مع منتصف القرن الماضي الهجوم من قبل المدرسة السلفية باعتبارها بدعة دخيلة على الإسلام.

نحتضن تاريخنا لنبدأ منه. ومهمة المؤلف، كما يقول، هي واعية قاصدة، هي العودة إلى التراث أي البدء من النهاية.. والتصوف من نهاياتنا التي يبدأ منها، ومنه تتشعب ساحات تتكامل بالصراع إذ هو في منحاه الاجتماعي معارضة للسلطات الثلاث: سلطة الدولة وسلطة الدين وسلطة المال، وسيجد القارئ أنه انتهى في القرن التاسع للهجرة مع عبد الكريم الجيلي وأن ما يعده كان دروشة، وفي أجمل أشكاله تصوف اهتيامي جرى فيه المتصوفة الفرس وكتبوه باللغة الفارسية فهو أدب لا فكر. والمؤلف في كتابه هذا يريد استعادة التصوف المنتهي وهو التصوف المناضل، ليكون من مساند الصراع الحالي ضد الأغيار.

وأكثر ما يعني المؤلف منه النضال من أجل الفقراء ضد الدولة ورجالها والدين ورجاله والمال وأصحابه. وهذا يعني الانطلاق من التصوف المناضل لتأسيس شيوعية القاعدة وهي المشاعية التي انتظمت نضال المتصوفة من إبراهيم بن أدهم حتى عبد القادر الجيلي (الكيلاني) وتكون بتحويل الأموال الخاصة إلى أموال عامة وإجرائها في مصالح الناس اليومية بما يضمن لهم الطعام والملبس والمأوى والعلاج، وما فاض عن ذلك يعطى للدولة لتنفقه في شؤونها الأخرى. وفي مجرى هذا النضال يسعى الكاتب لإيجاد شخصية حرة من قيود الدولة والدين متماهية بالقيم المشاعية والتعاونية والجماعية زاهدة لا متكالبة على الملذات تعيش في اعتدال لا بشظف ولا ترف أمينة متعففة عن الصغائر.

هذا الكتاب عبارة عن دراسة عن فرق التصوف، ولكن التصوف هنا ليس كما يتبادر إلى الأذهان بأنه التصوف الإسلامي المعروف، بل يرمي المؤلف إلى ماهو أبعد من ذلك حيث يتناول فرق التصوف الإسلامية والمسيحية وغيرهم، ويتناول أهم أعلامهم وأبرز أفكارهم وفلسفاتهم، والاتجاهات السياسية-الاجتماعية والتصوف المشاعي تحديدا، ثم في النهاية يستعرض بعض الكلمات والمصطلحات الصوفية ودلالاتها وبعضا من أشعارهم. 

ولذلك فهو كتاب يسافر بالقارئ ليطوف حول العالم من الشرق الى الغرب حيث تُمحى الحدود القومية والدينية، وتتوحد في ذات الصوفي كل القيم التي أبدعتها الإنسانية على طريق بلوغ الكمال.



سنة النشر : 1997م / 1418هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 9.6 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة مدارات صوفية

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل مدارات صوفية
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
هادي العلوي - Hadi Al Alawi

كتب هادي العلوي ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ فصول عن المرأة ❝ ❞ مدارات صوفية ❝ ❞ فصول عن المراة ❝ الناشرين : ❞ دار الكنوز الادبية ❝ ❞ مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي ❝ ❱. المزيد..

كتب هادي العلوي
الناشر:
مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي
كتب مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ ملاحظات حول البيان الشيوعى ❝ ❞ مدارات صوفية ❝ ❞ فصول من تاريخ الإسلام السياسى ❝ ❞ الاستشراق والإسلام ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ هادي العلوي ❝ ❞ د. هادى العلوى ❝ ❞ فالح عبد الجبار ❝ ❱.المزيد.. كتب مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي